كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

فرجع قصىّ إلى أمّه فقال: مَنْ أبى؟ فقالت: أبوك ربيعةُ، قال: لو كنت ابنه مما نُفيتُ! قالت: أوَقد قال هذا؟ فواللَّه ما أحَسْنَ الجوار، ولا حفظ الحقّ، أنْت واللَّه يا بُنىّ أكرم منه نفسًا ووالدًا ونسَبًا وأشرف منزلًا! أبوك كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة القرشىّ، وقومك بمكّة عند البيت الحرام فما حوله، قال: فواللَّه لا أُقيم ههنا أبدًا! قالت: فأقِم حتّى يجئ إبّان الحجّ فتخرج فى حاجّ العرب فإفما أخشى عليك أن لصيبك بعض النّاس (¬١)، فأقام، فلمّا حضر ذلك بعثته مع قوم من قضاعة فقدم مكّة، وزهرة يومئذ حىّ، وكان أشعر وقصىّ أشعر، فأتاه فقال له قصىّ: أنا أخوك، فقال: ادنُ منّى، وكان قد ذهب بصره وكَبِر، فلمسه فقال: اعرف واللَّه الصّوت والشّبه!
فلمّا فرغ من الحجّ عالجه القُضاعيّون على الخروج معهم والرّجوع إلى بلادهم فَأَبَى وأقام بمكّة، وكان رجلًا نهدًا نسيبًا فلم ينشب أن خطب إلى حُليل بن حُبْشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو لُحَىّ الخُزاعىّ ابنته حُبّى، فعرف حُليل النسب ورغب فيه فزوّجه، وحُليل يومئذٍ يلى أمر مكّة والحكم فيها وحجابة البيت، ثمّ هلك حُليل فحجب البيت ابنه المحترش، وهو أبو غُبْشان، وكانت العرب تجعل له جُعْلًا فى كلّ موسم، فقصّروا به فى بعض المواسم منعوه بعض ما كانوا يعطونه، فغضب فدعاه قصىّ فسقاه، ثمّ اشترى منه البيت بأذْوادٍ، ويقال بِزِقّ خمر، فرضى ومضى إلى ظهر مكّة (¬٢).
قال: وأخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمى قال: حدّثنى عبد اللَّه بن عمرو بن زهير عن عبد اللَّه بن خِداش بن أميّة الكعبىّ عن أبيه قال: وحدَّثتنى فاطمة بنت مسلم الأسلميّة عن فاطمة الخزاعيّة -وكانت قد أدركت أصحاب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم- قالا: لمّا تزوّج قصىّ إلى حُليل بن حُبْشِيّة ابنتَه حُبّى وولدت له أولاده، قال حُليل: إنّما وَلَدُ قصىّ وَلَدى، هُم بنو ابنتى، فأوصى بولاية البيت والقيام بأمر مكّة إلى قصىّ، وقال: أنْت أحقّ به.
---------------
(¬١) كذا م، ل، أما الطبرى ج ٢ ص ٢٥٥ "البَأْس".
(¬٢) الطبرى ج ٢ ص ٢٥٥ - ٢٥٦.

الصفحة 49