كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

الأخنسىّ قال: كانت الحُمسَ قريشٌ وكِنانة وخُزاعة ومَن ولدته قريش من سائر العرب. وقال محمد بن عمر بغير هذا الإسناد، أو حليفٌ لقريش.
قال محمد بن عمر: والتحمّس أشياء أحدثوها فى دينهم تحمّسوا فيها، أى شدّدوا على أنفسهم فيها، فكانوا لا يخرجون من الحرم إذا حجّوا، فقصروا عن بلوغ الحقّ، والذى شرع اللَّه، تبارك وتعالى، لإبراهيم وهو موقف عرفَة، وهو من الحِلّ، وكانوا لا يَسْلَئُون (¬١) السمن ولا ينسجون مظالّ الشعر، وكانوا أهل القباب الحمر من الأدم، وشرعوا لمن قدم من الحاجّ أن يطوف بالبيت وعليه ثيابه ما لم يذهبوا إلى عَرَفَة، فإذا رجعوا من عرفَة لم يطوفوا طَواف الإفاضة بالبيت إلّا عُراة أو فى ثوبَى أحْمَسى، وإن طاف فى ثوبيه لم يحلّ له أن يلبسهما.
قال محمد بن عمر: وقصىّ أحدث وقود النّار بالمزدلفة حين وقف بها حتى يراها مَن دَفَعَ من عرفة، فلم تزل توقد تلك النّار تلك الليلة، يعنى ليلة جَمْع فى الجاهليّة (¬٢).
قال محمّد بن عمر: فأخبرنى كثير بن عبد اللَّه المزنى عن نافع عن ابن عمر قال: كانت تلك النّار توقد على عهد رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبى بكر وعمر وعثمان. قال محمّد بن عمر: وهى توقد إلى اليوم (¬٣).
وفرض قصىّ على قريْش السقاية والرفادة، فقال: يا معشر قريش إنّكم جيران اللَّه، وأهل بيته، وأهل الحرم، وإن الحاجّ ضِيفان اللَّه، وزوّار بيته، وهم أحقّ الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعامًا وشرابًا أيّام الحجّ، حتى يصدروا عنْكم، ففعلوا فكانوا يُخرجون ذلك كلّ عامٍ من أموالهم خرجًا يترافدون ذلك فيدفعونه إليه فيصنع الطّعام للناس أيام مِنًى وبمكّة، ويصنع حياضًا للماء من أدم فيسقى فيها بمكّة ومنًى وعرفة، فجرى ذلك من أمره فى الجاهليّة على قومه حتى قام الإِسلام، ثمّ جرَوا فى الإِسلام على ذلك إلى اليوم (¬٤).
---------------
(¬١) سَلَأَ السَّمْنَ: طَبَخَهُ وعالجه.
(¬٢) أورده الطبرى ج ٢ ص ٢٦٥ عن ابن سعد.
(¬٣) نفس المصدر، وعن ابن سعد.
(¬٤) الخبر لدى ابن هشام فى السيرة ج ١ ص ١٣٠.

الصفحة 54