فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حِزام وبُديل بن وَرْقَاء، فلمّا رأوا العسكر أفزعهم، وقد أستعمل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، تلك اللّيلة على الحرس عمرَ بن فقال: فسمع العبّاس بن عبد المطّلب صوت أبى سفيان فقال: أبا حنظلة؟ فقال: لبّيك فما وَراءَك؟ فقال هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف. فأسلِمْ ثكلتك أمّك وعشيرتك! فأجاره وخرج به وبصاحبيه حتى أدخلهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأسلموا وجعل لأبى سفيان، أن من دخل داره فهو آمِنٌ ومن أغلق بابَه فهو آمِنٌ!
ثمّ دخل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مكّة في كتيبته الخضراء هو على ناقته القصْواء بين أبي بكر وأسيد بن حُضَير وقد حُبس أبو سفيان فرأى هما لا قِبَلَ له به فقال: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيمًا! فقال العبّاس: ويحك! إنّه ليس بمُلك ولكنها نبوّة! قال: فنَعَمْ.
كانت راية رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يومئذ مع سعد بن عُبادة فبلغه عنه في قريش كلامٌ وَتَواعُدٌ لهم. فأخذها منه فدفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وأمر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، سَعْد بن عُبادة أن يدخل من كَداء والزبير من كُدًى (¬١) وخالد بن الوليد من اللّيط (¬٢)، ودخل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، من أذاخرِ ونهى عن القتال وأمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة: عِكَرمة بن أبي جهل وهبّار بن الأسود وعبد الله بن سعد بن أبي سَرْح ومِقْيَس بن صبابة اللّيثي والحُويرث بن نُقيذ وعبد الله بن هلال بن خَطَل الأدْرَمى وهند بنت عُتْبة وساوة مولاة عمرو بن هاشم، وفَرْتنا وقَريبة، فقتل منهم ابن خَطَل والحُويرث بن نُقيذ ومِقْيَس بن صبابة، وكلّ الجنود لم يلقوا جَمعًا غير خالد لقيد صَفْوان بن أُميّة وسُهَيْل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل في جمع من قريش بالخَنْدمة (¬٣)، فمنعوه من الدّخول وشهروا السّلاِح ورموا بالنّبل فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين رجلًا من قريش وأربعة نفر من هذيل وانهزموا أقبحَ الانهزام. فلمّا ظهر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، على ثنيّة أذاخر رأى البارقة فقال: ألَمْ أَنْهَ عن القتال؟ فقيل: خالد قوتل فقاتل، ققال: قضاءُ الله خيرٌ.
---------------
(¬١) عن "كداء"، "كُدًى" راجع ياقوت ج ٤ ص ٢٤١.
(¬٢) موضع في أسفل مكة.
(¬٣) الخندمة: جبل بمكة.