كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

أمسى نساؤكَ عَطَّلْنَ البُيوتَ فمَا ... يَضرِبنَ خَلْفَ قَفَا سترٍ بأوْتادِ
مثلَ الرّوَاهِبِ يَلبَسنَ المسوحَ، وقد ... أيقنّ بالبُؤسِ بعدَ النّعمةِ البادى!
وقال أبو عمرو: قال حسّان يرثيه، - صلى الله عليه وسلم - (¬١):
مَا بالُ عَينِكَ لا تَنَامُ! كَأنّما ... كُحِلَتْ مَآقِيها بكُحلِ الأرْمَدِ؟
جَزَعًا على المَهْدِيّ أصبَحَ ثَاوِيًا، ... يَا خَيرَ مَن وَطئَ الحصَىَ لا تَبعَدِ
يَا وَيْحَ أنْصَارِ النّبيّ وَرَهْطِهِ! ... بَعدَ المغَيَّبِ في سَوَاءِ المُلْحَدِ
جَنْبى يَقِيكَ التّرْبَ لَهْفى لَيْتَنى ... غُيِّيْتُ قَبلك في بَقِيع الغَرْقَدِ (¬٢)!
يا بِكْرَ آمِنَةَ المُبارَكَ ذِكْرُهُ، ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بسَعْدِ الأسعُدِ
نُورًا أضَاءَ عَلى البَرِيّةِ كُلّهَا، ... مَنْ يُهْدَ للنّورِ المبارَكِ يَهتَدِ!
أَأُقيمُ بَعْدَكَ بالمدينَةِ بيْنَهُمْ؟ ... يَا لَهْفَ نَفْسى لَيْتَنى لم أُولَدِ!
بأبى وأُمّى مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ... في يومِ الاثنَيِن النّبيّ المهْتَدى!
فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَلَدّدًا، ... يَا لَيْتَنى صُبّحْتُ سُمّ الأسْوَدِ!
أو حَلّ أمرُ الله فينا عاجِلًا ... فما رَوْحَةٍ منْ يوْمِنَا أوْ من غَدِ!
فَتَقُومُ ساعَتُنَا فَنَلْقَى سَيّدًا ... مَحْضًا مَضَارِبُهُ كَريمَ المحْتِدِ
يا رَبّ! فَاجْمَعْنَا مَعًا ونَبِيَّنَا ... في جَنّةٍ تفقى (¬٣) عُيُونَ الحُسّدِ
في جَنّةِ الفِرْدَوْسِ، واكتُبها لنَا ... يا ذا الجَلالِ وذا العُلا وَالسّودَدِ!
واللهِ اسمَعُ مَا حَيِيتُ بهالِكٍ ... إلّا بَكَيْتُ عَلى النّبيّ مُحَمّدِ
ضَاقَتْ بالأنْصارِ البلادُ، فأصبحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمُ كَلَوْنِ الإثْمِدِ
ولَقَدْ ولَدْنَاهُ فِينَا قَبْرُهُ، ... وَفُضُولُ نِعمَتِهِ بنَا لا تُجْحَدِ
وَالله أهْدَاهُ لَنَا وهَدَى بِه ... أنْصَارَهُ في كُلّ سَاعَةِ مَشْهَدِ (¬٤)
---------------
(¬١) انظر: ابن هشام ج ٤ ص ٦٦٩.
(¬٢) في الأصول: كنتُ المغَيَّبَ في الضريح الملحد. وقد اتبعت ما ورد بسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٦٦٩ والديوان ص ٢٠٨ وهي أفضل من رواية الكتاب.
(¬٣) ت، ث "تنبى" وكذا الديوان ص ٢٠٩. ولدى ابن هشام ج ٤ ص ٦٧٠ "تثنى" والمثبت رواية "ل" ومثلها لدى النويري ج ١٨ ص ٤٠٣. وتفقى: تقلع. وتثنى: تصرف.
(¬٤) كذا في ت، ث، ومثله لدى ابن هشام ج ٤ ص ٦٧٠. وفى ل "مسهد".

الصفحة 280