كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

لَعَمْرُكَ مَا أبكى النّبيّ لِموْتِهِ! ... ولكِنْ لِهَرْجٍ كان بَعدَكَ آتيَا
كَأنّ عَلى قَلبى لذِكْرِ مُحَمّدٍ، ... ومَا خِفتُ من بعدِ النّبيّ المَكاوِيا
أفاطِمَ صلّى الله، رَبّ مُحَمّدٍ، ... عَلى جَدَثٍ أمْسَى بيْثرِبَ ثَاوِيا!
أبَا حَسَنٍ فَارَقْتَهُ وتَرَكْتَهُ، ... فَبَكّ بحُزْنٍ آخرَ الدّهرِ شَاجِيَا!
فِدًا لِرَسُولِ اللهِ أُمّى وَخَالَتى ... وَعَمّى وَنَفْسى قُصْرَةً ثمّ خَاليا
صَبَرْتَ وَبَلّغْتَ الرّسالَةَ صَادِقًا، ... وقُمْتَ صَليبَ الدينِ أبْلَجَ صَافيا!
فَلَوْ أنّ رَبّ النّاسِ أبقَاكَ بَيْنَنَا ... سَعِدْنَا، ولكنْ أمرُنا كان ماضِيا!
عَلَيْكَ مِنَ اللهِ السّلامُ تَحِيّةً، ... وَأُدخِلْتَ جَنَّاتٍ من العَدْنِ رَاضِيا!
قال: وقالت عاتِكة في بنت عبد المطّلب ترثى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -:
عَينيّ جُودا طَوَالَ الدّهرِ وَانْهَمِرَا ... سَكبًا وَسَحًّا بدَمعٍ غَيرِ تَعذيرِ!
يا عَينِ فاسحَنفِرى بالدّمعِ وَاحتَفَلى ... حتى المَماتِ بسَجْلٍ غَيرِ مَنْزُورِ
يا عَينِ فانهمِلى بالدّمعِ واجتَهِدى ... للمُصْطَفى، دونَ خَلقِ اللهِ، بالنورِ
بمُستَهَلٍّ من الشؤبوبِ ذى سَيَلٍ، ... فقد رُزِئْتُ نبيّ العَدْلِ وَالخيرِ!
وكُنْتُ من حَذَرٍ للموْتِ مُشفقةً، ... وَللّذى خُطّ من تلكَ المقَاديرِ!
مِن فقدِ أزْهَرَ ضَافى الخلق ذى فخَرٍ ... صَافٍ من العَيبِ وَالعاهاتِ وَالزّورِ!
فاذهَبْ حَمِيدًا! جَزَاكَ الله مغفرةً، ... يوْمَ القيامةِ، عَندَ النَّفْخِ في الصُّورِ
وقالت عاتِكة بنت عبد المطّلب (¬١):
يا عَينِ جودى، ما بقِيتِ، بعَبْرَةٍ ... سَحًّا على خَيرِ البَرِيّةِ أحْمَدِ
يا عَينِ فاحتَفلى وَسُحّى وَاسْجُمى ... وَابكى عَلى نُورِ البلاد مُحَمّدِ!
أنّى، لَكِ الوَيلاتُ! مثلُ مُحَمّدٍ ... في كلّ نائِبَةٍ تَنُوبُ وَمَشْهَدِ؟
فابكى المبارَكَ والموفَّقَ ذا التّقَى، ... حَامى الحقيقةِ ذا الرّشادِ المرْشِدِ
مَنْ ذا يَفُكّ عَنِ المغَلَّلِ غُلّهُ ... بَعْدَ المغَيَّبِ في الضّريحِ الملحَدِ؟
أمْ مَنْ لكلّ مُدَفَّعٍ ذى حاجَةٍ، ... وَمُسَلْسَلٍ يَشكو الحديدَ مُقَيَّدِ؟
---------------
(¬١) راجع النويري ج ١٨ ص ٤٠٥ - ٤٠٦.

الصفحة 283