البيت، فأبى عليها فنزل إليهم تفوح ريحه فقالوا: ما هذه الريح يا فلان؟ قال: عطر أمّ فلان لامرأته، فدنا بعضهم يشمّ رأسه ثمّ اعتنقه وقال: اقتلوا عدوّ اللَّه! فطعنه أبو عَبس فى خاصرته وعلاه محمّد بن مَسلمة بالسيف فقتلوه. ثمّ رجعوا فأصبحت اليهود مذعورين، فجاءوا النبىّ، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: قُتِل سيدنا غِيلةً! فذكّرهم النبىّ، -صلى اللَّه عليه وسلم-، صنيعَه وما كان يحضّ عليهم ويحرّض فى قتالهم ويؤذيهم، ثمّ دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحًا أحسبُه. قال: وكان ذلك الكتاب مع علىّ، رضى اللَّه عنه، بَعدُ.
* * *
غزوة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، غَطَفان (¬١)
ثمّ غزوة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، غَطَفان إلى نجد، وهى ذو أمَرّ، ناحيةَ النُّخيل، فى شهر ربيع الأوّل على رأس خمسة وعشرين شهرًا من مُهاجَره، وذلك أنّه بلغ رسولَ اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنّ جمعًا من بنى ثعلبة ومحارب بذى أمَرّ قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-. جَمَعَهُم رجل منهم يقال له دُعثور بن الحارث من بنى محارب. فندب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، المسلمين وخرج لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل فى أربعمائة وخمسين رجلًا، ومعهم أفراس. واستخلف على المدينة عثمان بن عفّان، فأصابوا رجلًا منهم بذِى القَصّة يقال له جبّار من بنى ثعلبة، فأُدخل على رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره من خبرهم وقال: لن يلاقوك لو سمعوا بمسيرك هربوا فى رءوس الجبال وأنا سائرٌ معك. فدعاه رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الإسلام فأسلَم. وضمّه رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى بِلال ولم يلاقِ رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، أحدًا إلا أنّه ينظر إليهم فى رءوس الجبال. وأصابَ رسولَ اللَّه وأصحابه مَطرٌ، فنزع رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثوبَيه ونَشرهما ليَجِفّا وألقاهما على شجرة واضطجعَ، فجاء رجلٌ من العدوّ يقال له دُعْثُور بن الحارث ومعه سَيف حتى قام على رأس رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثمّ قال: مَن يمنعك منّى اليوم؟ قال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: اللَّهُ! ودفع جبريل فى صدره فوقَع السيف من يده، فأخذه رسول
---------------
(¬١) مغازى الواقدى ص ١٩٣، والنويرى ج ١٧ ص ٧٧.