كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

بالجدّ والجِهاد وأخبرهم أنّ لهم النصر ما صبروا، وأمرهم بالتهيّؤ لعدوّهم ففرح النّاس بالشّخوص ثمّ صلّى بالنّاس العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالى (¬١)، ثمّ دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بيتَه ومعه أبو بكر وعمر فعمّماه وأَلْبَساه (¬٢) وصفّ (¬٣) النّاس له ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن مُعاذ وأسيد بن حُضير استكرهتم رسولَ اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، على الخروج والأمرُ ينزل عليه من السماء فرُدّوا الأمرَ إليه (¬٤).
فخرج رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، قد لبس لأمته (¬٥) وأظهر الدرع وحزم وسطَها بمِنطَقَةٍ من أَدَم من حمائل السيف، واعتمّ وتقلّد السيف وألقى الترس فى ظهره، فندموا جميعًا على ما صنعوا وقالوا: ما كان لنا أن نخالفك فاصنعْ ما بدا لك، فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا ينبغى لنبىّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه، فانظروا ما أمرتُكم به فافعلوه وامضوا على اسم اللَّه فلكم النصر ما صبرتم (¬٦).
ثمّ دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حُضير، ودفع لواء الخزرج إلى الحبُاب بن المنذر، ويُقال إلى سعد بن عُبادة، ودفع لواءه لواء المهاجرين إلى علىّ بن أبى طالب، رضى اللَّه عنه، ويُقال إلى مُصعب بن عُمَير، واستخلف على المدينة عبد اللَّه بن أمّ مكتوم، ثمّ ركب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرسه وتنكّب (¬٧) القوسَ وأخذ قناةً بيده والمسلمون عليهم السّلاحُ قد أظهروا الدّروع فيهم مائة دارع، وخرج السّعدانِ أمامَه يعدُوَانِ: سعد بن مُعاذ وسعد بن عُبادة، وكلّ واحد منهما دارعٌ والنّاس عن يمينه وشماله. فمضى حتّى إذا كان
---------------
(¬١) العوالى: قرى بظاهر المدينة.
(¬٢) فى الأصلين "ولَبّساه" ومثله لدى الواقدى فى المغازى ص ٢١٣ الذى ينقل عنه المصنف. وكلاهما تحريف، وصوابه لدى النويرى ج ١٧ ص ٨٤ وهو ينقل عن ابن سعد.
(¬٣) صف: اصطف.
(¬٤) النويرى ج ١٧ ص ٨٤ نقلا عن ابن سعد.
(¬٥) اللأمة: الدرع أو السلاح كله.
(¬٦) الخبر لدى النويرى ج ١٧ ص ٨٤ نقلا عن ابن سعد.
(¬٧) تنكب القوس: ألقاه على منكبه.

الصفحة 35