كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

فكان أوّلَ من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق، طلع فى خمسين من قومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحبًا بك ولا أهلًا، يا فاسق! قال: لقد أصاب قومى بعدى شرّ، ومعه عَبيدُ قريش، فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتى ولّى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالأكبار والدّفوف والغرابيل (¬١) ويحرّضن ويذكّرنهم قَتلَى بدر ويقلن:
نَحنُ بنَاتُ طارِقْ ... نَمشى عَلى النّمَارِقْ
إنْ تُقبِلُوا نُعانِقْ ... أوْ تُدْبِروا نُفارِقْ
فِرَاقَ غَيرِ وامِقْ (¬٢)
قال: ودنا القوم بعضهم من بعض والرّماة يَرْشُقون خيل المشركين بالنبل فَتُوَلِّى هوارب (¬٣)، فصاح طلحة بن أبى طلحة صاحب اللواء: من يبارز؟ فبرز له علىّ بن أبى طالب، رضى اللَّه عنه، فالتقيا بين الصفّين فبدره علىّ فضربه على رأسه حتّى فلق هامتَه فوقع، وهو كبش الكتيبة، فسُرّ رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بذلك وأظهر التكبير، وكبّر المسلمون وشدّوا على كتائب المشركين يضربونهم حتّى نَغَضَت (¬٤) صفوفُهم، ثم حمل لواءَهم عثمان بن أبى طلحة أبو شيبة وهو أمَامَ النسوة يرتجز ويقول:
إنّ عَلَى أهلِ اللّواءِ حقّا ... أنْ تُخضَبَ الصّعدَةُ أوْ تَنْدَقَّا (¬٥)
وحمل عليه حمزة بن عبد المطّلب، فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكَتِفَه حتى انتهى إلى مُؤتَزَرِهِ وبدا سَحرُه (¬٦)، ثمّ رجع وهو يقول: أنا ابن ساقى الحَجِيج، ثمّ حمله أبو سعد بن أبى طلحة فرماه سعد بن أبى وقّاص فأصاب حَنجَرَتَه فأدلع (¬٧) لسانَه إدْلاعَ الكلب فقتله، ثمّ حمله مُسافِع بن طلحة بن أبى
---------------
(¬١) الكَبَر: الطبل ذو الوجه الواحد. والغرابيل: جمع غربال. وهو الدف (النهاية).
(¬٢) الواقدى ج ١ ص ٢٢٥، والنويرى ج ١٧ ص ٩٠، والصالحى ج ٤ ص ٢٨٤.
(¬٣) ل "هوازن" والمثبت رواية م، ومثلها لدى النويرى ج ١٧ ص ٩١.
(¬٤) النغض: التحريك والاضطراب.
(¬٥) أورده النويرى ج ١٧ ص ٩١ نقلا عن ابن سعد.
(¬٦) السحر: الرئة.
(¬٧) أدلع: أخرج.

الصفحة 38