ودعا رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بلوائه وهو معقودٌ لم يُحَلّ فدفعه إلى علىّ بن أبى طالب، ويقال إلى أبى بكر الصّدّيق، رضى اللَّه عنهما، وخرج وهو مجروح فى وجهه ومَشْجوج فى جَبهته ورَباعيتُه قد شَظِيَتْ وشَفتُه السُّفلى قد كُلِمَت فى باطنها، وهو متوهّنٌ منكبَه الأيمَنَ من ضربة ابن قَمِيئة ورُكْبتاه مَجحوشتان، وحشَد أهل العوالى (¬١) ونزلوا حيث أتاهم الصريخ وركب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرسَه وخَرَجّ النّاس معه فبعث ثلاثة نفر من أسلَم طليعة فى آثار القوم، فَلحق اثنان منهم القومَ بحمراء الأسد وهى من المدينة على عشرة أميال طريقَ العقيق متياسرةً عن ذى الحُلَيفة إذا أخذتَها فى الوادى، وللقوم زَجَلٌ وهم يأتمرون بالرّجوع وصَفْوان بن أُميّة ينهاهم عن ذلك، فبصروا بالرّجلين فَعَطَفوا عليهما فَعَلَوْهُما ومَضوا ومضى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلين فى قبر واحد، وهما القرينان، وكان المسلمون يوقدون، تلك الليالى، خمسمائة نار حتى تُرى من المكان البعيد، وذهب صوتُ مُعسكَرهم ونيرانهم فى كلّ وجه، فَكَبَتَ اللَّه، تبارك وتعالى، بذلك عدوّهم. فانصرف رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وقد غابَ خمس ليال، وكان استخلف على المدينة عبدَ اللَّه بن أُمّ مكتوم (¬٢).
* * *
سريّة أبى سلمة بن عبد الأسَد المخزومى (¬٣)
ثمّ سريّة أبى سَلَمَة بن عبد الأسد المخزومى إلى قَطَن -وهو جبل بناحية فَيد به ماءٌ لبنى أسَد بن خُزيمة- فى هلال المحرّم على رأس خمسة وثلاثين شهرًا من مُهاجَر رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-. وذلك أنّه بلغ رسولَ اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنّ طُليحة وسَلمة ابنى خُويلد قد سارا فى قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-. فدعا رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، أبا سَلَمة وعَقَد له لواءً وبعث معه مائة وخمسين رجلًا من
---------------
(¬١) حشد أهل العوالى: أجابوا مسرعين.
(¬٢) أورده النويرى ج ١٧ ص ١٢٦ نقلا عن ابن سعد.
(¬٣) مغازى الواقدى ص ٣٤٠، والنويرى ج ١٧ ص ١٢٧.