كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

وعسكروا بها وسرحوا ظَهرَ وقدّموا حَرامَ بن مِلحان بكتاب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى عامر بن الطُّفيل فوَثَب على حرام فقتله واستصرخَ اعلمهم بنى عامر فأبوا وقالوا: لا يُخْفَر جوار أبى بَراء، فاستصرخ عليهم قبائل من سُلَيم عُصَيّة ووِعْلًا وَذَكْوان فنفَروا معه ورأسوه.
واستبطأ المسلمون حرامًا فأقبلوا فى أثَره فَلَقِيَهُم القوم فأحاطوا بهم فكاثروهم فتقاتلوا فقتِل أصحاب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيهم سليم بن ملحان والحكم بن كَيْسَان فى سبعين رجلًا، فلمّا أُحيط بهم قالوا: اللَّهُمَّ إنّا لا نجد مَن يُبلِغ رسولك منّا السلامَ غيرَك فأقرِئه منّا السلامَ. فأخبره جبرائيلُ، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بذلك فقال: وعليهم السلام: وبقى المنذر بن عمرو فقالوا: إن شئتَ آمنّاك، فأبَى وأتى مَصرَعَ حرام فقاتَلهم حتى قُتِل فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: أعنَقَ ليموت، يعنى أنّه تقدَّم على الموت وهو يعرفه، وكان معهم عَمرو بن أُميّة الضَّمرى فَقُتِلوا جميعًا غيرَه، فقال عامر بن الطّفيل: قد كان على أُمّى نَسَمةٌ فأنت حُرّ عنها، وجَزَّ ناصيتَه. وفَقَدَ عمرو بن أُميّة عامرَ بن فُهَيرَة من بين القتلى فسأل عنه عامَر بن الطّفيل فقال: قتله رجل من بنى كلاب يُقال له جبّار بن سُلمَى، لمّا طَعنه قال: فزتُ واللَّه! وَرَفَعَ إلى السماء عُلُوًّا. فأسلم جبّار بن سُلمى لما رأى مِن قتل عامر بن فُهيرة وَرَفعِهِ وقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنّ الملائكة وَارَتْ جُثّتَهُ وأُنزل عِلِّيينَ.
وجاء رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، خبر أهل بئر معونة، وجاءه تلك الليلة أيضًا مُصاب خُبيب بىت عَدىّ ومَرْثد بن أبى مَرْثد وبعثَ محمّد بن مَسلمةَ فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: هذا عملُ أبى براء، قد كنت لهذا كارهًا. ودعا رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، على قَتَلَتهم بعد الركعة من الصبح فقال: اللَّهُمَّ اشدُدْ وطأتَك على مُضَر! اللَّهُمَّ سِنِينَ كسِنى يُوسُف! اللَّهُمَّ عليك ببنى لحِيان وعَضَلَ والقَارة وَزِعْب (¬١) ورِعل وذَكَوان وعُصَيّة فإنّهُم عصوا اللَّه ورسوله (¬٢).
ولم يجد رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، على قَتلَى ما وجد على قَتْلَى بئر مَعُونة، وأنزلَ اللَّه فيهم قرآنًا حتى نُسِخَ بعدُ: بَلّغوا قَوْمَنَا عَنّا أنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِىَ عنّا ورَضِينَا عنْهُ. وقال
---------------
(¬١) زِعْب: تحرف فى ل والطبعات اللاحقة إلى "زغب" وصوابه من م، والواقدى والنويرى.
(¬٢) أورده النويرى ج ١٧ ص ١٣٢ نقلا عن ابن سعد.

الصفحة 49