كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

سَفَره ذلك جَمَلَهُ بأوقيّة وشرط له ظَهرَه إلى المدينة وسأله عن دَيْن أبيه وأخبرَه به، فاستغفرَ له رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فى تلك اللّيلة خمسًا وعشرينَ مرّةً وبعث رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، جُعَال بن سُرَاقة بشيرًا إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين، وقدم صرارًا يوم الأحد لخمس ليالٍ بقين من المحرّم، وصرار على ثلاثة أميال من المدينة، وهى بئر جاهليّةٌ على طريق العراق، وغاب خمسَ عشرة ليلة.
أخبرنا عفّان بن مُسلم، أخبرنا أبان بن يزيد وحدّثنى يحيَى بن أبى كَثير عنْ أبى سَلمَة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد اللَّه قال: أقبلنا مع رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى إذا كُنّا بذات الرّقاع كنّا إذا أتينا على شجرةٍ ظَليلةٍ تركناها لرسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فجاء رجلٌ من المشركين وسيف رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، مُعَلّق بشجرة فأخذه فاختَرَطه وقال لرسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتخافنى؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك منّى؟ قال: اللَّه يمنعنى منك! قال: فتهدّده أصحاب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأغمدَ السيفَ وعلّقه. قال: فنُودى بالصّلاة. قال: فصلَّى بطائفة ركعتين ثمّ تأخّروا. وصلَّى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، أربع ركعات وللقوم ركعتان.
* * *

غزوة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، دُومةَ الجندَل (¬١)
ثمّ غزوة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، دُومَةَ الجندَل فى شهر ربيع الأوّل على رأس تسعة وأربعين شهرًا من مُهَاجَره. قالوا: بلَغ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنّ بدومة الجنَدل جمعًا كثيرًا وأنّهُم يظلمون من مَرَّ بهم من الضّافطة (¬٢) وأنّهم يريدون أن يدنوا من المدينة، وهى طَرَف من أفواه الشأم بينها وبين دمشق خمس ليالٍ، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ستّ عشرة ليلةً، فندب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، النّاسَ
---------------
(¬١) مغازى الواقدى ص ٤٠٢.
(¬٢) مفردها: ضافط، وهو الذى يجلب الميرة والمتاع إلى المدن، والمُكارِى الذى يُكْرِى الأحمال، وكانوا يومئذ قوما من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما (النهاية).

الصفحة 58