واستخلف على المدينة سباعَ بن عُرْفُطة الغِفَارى وخرج لخمس ليالٍ بقين من شهر ربيع الأوّل فى ألف من المسلمين فكان يَسير اللّيل ويكمن النّهار، ومعه دليلٌ له من بنى عُذرة يُقال له مذكور، فلمّا دَنَا منهم إذا هم مُغَرّبون، وإذا آثار النَّعم (¬١) والشاء فهجم على ماشيتهم ورُعاتهم فأصاب من أصاب وهرب مَن هَرب فى كلّ وجه، وجاء الخبرُ أهلَ دُومة فتفرَّقوا ونزل رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بسَاحتهم فلم يجد بها أحدًا فأقام بها أيّامًا وبثَّ السرايا وفرَّقها فرجعت ولم تُصِبْ منهم أحدًا، وأُخذَ منهم رجل فسأله رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، عنهم فقال: هربوا حيث سمعوا أنّك أخذتَ نَعَمهم، فعرَض عليه الإسلام فأسلَم ورجَعَ رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى المدينة ولم يلق كيدًا لعشرِ ليالٍ بقين من شهر ربيع الآخر. وفى هذه الغزاة وَادَع رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، عُيَينة بن حصن أن يرعى بتَغلَمَين وما والاه إلى المَرَاض، وكان ما هناكَ قد أخصبَ وبلاد عُيينة قد أجدبت، وتغلمين من المَرَاضِ على ميلين، والمراض على ستّة وثلاثين ميلًا من المدينة على طريق الرّبذة.
* * *
غزوة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، المُرَيْسِيع (¬٢)
ثمّ غزوة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، المريسيع فى شعبان سنة خمس من مُهَاجَره.
قالوا: إنّ بَلمُصطَلِق من خُزاعة، وهم من حُلفاء بنى مُدْلج وكانوا ينزلون على بئر لهم يُقال لها المُرَيْسِيع، بينها وبين الفُزع نحو من يوم، وبين الفُرْع والمدينة ثمانية بُرُد، وكان رأسهم وسيّدهم الحارث بن أبى ضرار فسار فى قومه ومَن قَدَر عليه من العرب فدَعَاهم إلى حرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأجابوه وتَهَيَّئُوا للمَسِير معه إليه، فبلَغ ذلك رسولَ اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعثَ بُريدةَ بن الحُصيب الأسْلَمى يعلم علم ذلك، فأتاهم ولقى الحارث بن أبى ضرار وكلّمه ورَجَع إلى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره خبرهم فندب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، الناسَ إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا
---------------
(¬١) المراد بالنعم هنا الإبل.
(¬٢) مغازى الواقدى ص ٤٠٤، والنويرى ج ١٧ ص ١٦٤.