على الذرارىّ من بنى قُرَيظة، كان عبّاد بن بشر على حرس قُبّة رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع غيره من الأنصار يحرسونه كلّ ليلة: فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب فى أصحابه يومًا ويغدو خالد بن الوليد يومًا ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هُبَيرة بن أبى وَهب يومًا ويغدو ضِرار بن الخطّاب الفهرى يومًا، فلا يزالون يُجيلون خَيلَهم ويتفرّقون مرّةً ويجتمعون أخرى ويناوشونَ أصحابَ رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويقدّمون رُماتَهم فيرمون: فرَمَى حبّان بن العَرِقَة سعدَ ابن مُعاذ بسهم فأصاب أكْحَلَه فقال: خُذْها وأنا ابن العَرِقَة! فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: عرّقَ اللَّه وجهكَ فى النّار! ويقال: الذى رماه أبو أُسامة الجُشَمى.
ثمّ أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يومًا فغدوا جميعًا ومعهم رؤساء سائر الأحزاب وطلبوا مضيقًا من الخندق يُقحمون منه خيلَهم إلى النبىّ، -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأصحابه فلم يجدوا ذلك وقالوا: إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها: فقيل لهم: إنّ معه رجلًا فارسيًّا أشار عليه بذلك. قالوا: فمنْ هناك إذًا! فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فَعَبَر عِكْرِمة بن أبى جَهل ونَوْفَل بن عبد اللَّه وضرار بن الخطّاب وهُبيرة بن أبى وهب وعمرو بن عبد وُدّ، فجعل عَمرو بن عبد وُدّ يدعو إلى البراز ويقول:
وَلَقَدْ بَحِحْتُ منَ النّدا ... ء لجمعهم (¬١): هلْ منْ مُبَارِزْ؟
وهو ابن تسعين سنة، فقال علىّ بن أبى طالب: أنا أبارزُه يا رسول اللَّه. فأعطاه رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، سيفَه وعَمَّمه وقال: اللهمّ أعنهُ عليه: ثم بَرَزَ له ودنا أحدهما من صاحبه وثارت بينهما غَبَرَةٌ وضرَبَه علىّ فَقَتَلَه وكبَّر، فعلمنا أنّه قد قَتَله وولّى أصحابه هاربين وظفرت بهم خيولهم. وحمل الزُّبير بن العوّام على نَوفل بن عبد اللَّه بالسيف فضربه فشقّه باثنين، ثمّ اتّعدوا أن يغدوا من الغد فباتوا يعبّئون أصحابهم وفرَّقوا كتائبهم ونحَوا إلى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، كتيبة غليظةً فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومَهم ذلك إلى هُوِىّ من اللّيل ما يَقدرون أن يزولوا من موضعهم
---------------
(¬١) م "لجمعكم". والمثبت رواية ل ومثلها لدى النويرى ج ١٧ ص ١٧٣ وهو ينقل عن ابن سعد.