بقين من ذى القعدة، فحاصَرهم خمسةَ عشرَ يومًا أشدّ الحصار ورموا بالنبل فانجحروا فلم يطا منهم أحد، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَرْسِلْ إلينا أبا لُبابة بن عبد المُنْذِر. فأرسَلَه إليهم فشاوَروه فى أمرهم فأشار إليهم بيده أنّه الذّبح ثمّ ندم فاسترجع وقال: خُنتُ اللَّهَ ورسولَه! فانصرفَ فارتبط فى المسجد ولم يأتِ رسولَ اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى أنزلَ اللَّه توبته.
ثمّ نزلوا على حكم رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بهم رسولُ اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، محمد ابن مسلمة فكُتفوا وتُحّوا ناحيةً وأُخرج النساء والذرّيّة فكانوا ناحيةً، واستعمل عليهم عبدَ اللَّه بن سَلام وجَمَعَ أمتعَتَهُم وما وجد فى حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب فوُجد فيها ألف وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفا رمح وألف وخمسمائة ترس وحَجَفة (¬١) وخمرٌ وجرَارُ سَكَرٍ فأهرِيق ذلك كلّه ولم يُخَمَّس، أوجدوا جمالًا فى نواضحَ وماشيةً كثيرة (¬٢).
وكلّمت الأوس رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن يهبهم لهم. وكانوا حلفاءهم، فجعل رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، الحكم فيهم إلى سعد بن مُعاذ فحكم فيهم أن يُقتَل كلّ من جَرَت عليه المَواسى وتُسبَى النساء والذريّة وتُقسَم الأموال. فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: لقد حَكَمتَ بحكم اللَّه من فوق سبعة أرْقعة. وانصرف رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، يوم الخميس لسبع ليالٍ خَلَون من ذى الحجّه ثمّ أمر بهم فأدْخلوا المدينة وحفر لهم أخدودًا فى السوق وجلَس رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعه أصحابه وأُخرجوا إليه رَسْلًا رَسْلًا (¬٣) فضُرِبت أعناقهم فكانوا ما بين ستّمائة إلى سبعمائة. وأصطَفى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، رَيحانة بنت عَمرو لنفسه وأمرَ بالغنائم فجُمعت فأخرج الخمس من المتاع والسبى، ثمّ أمر بالباقى فبيع فى مَن يزيد وقسمه بين المسلمين، فكانت السّهمان على ثلاثةِ آلاف واثنين وسبعين سهمًا، للفَرس سهمان ولصاحبه سهمٌ، وصار الخمس إلى مَحميَة بن جَزْء الزّبَيدى فكاان رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، يُعتقُ منه ويهب منه ويُخدم منه مَن أراد، وكذلك صنع بما صار إليه من الرِّثّة.
---------------
(¬١) الحجفة: الترس إذا كان من جلود فيس فيها خشب ولا عقب.
(¬٢) الخبر لدى الواقدى فى المغازى ج ٢ ص ٥٠٩.
(¬٣) رسلا رسلا: أى فرقا.