وسَمَل أعيُنهم فصُلبوا هناك وأُنزل على رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا} [سورة المائدة: ٣٣] الآية، فلم يَسمل بعد ذلك عينًا. وكانت اللّقاح خمس عشرة لقحة غِزارًا فردّوها إلى المدينة ففقد رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، منها لقحةً تُدْعَى الحناء، فسأل عنها فقيل: نحروها.
سريّة عَمرو بن أُميّة الضَّمْرى (¬١)
ثمّ سريّة عمرو بن أُميّة الضّمرى وسَلمة بن أسْلَم بن حَريس إلى أبى سفيان بن حرب بمكّة، وذلك أنّ أبا سفيان بن حرب قال لنفرٍ من قريش: ألا أحدٌ يَغْتَرُّ (¬٢) محمّدًا فإنّه يمشى فى الأسواق؟ فأتاه رجلٌ من الأعراب فقال: قد وَجَدْتَ أجمَعَ الرّجال قلبًا وأشَدّه بطشًا وأسرعَه شدًّا، فإنْ أنت قوّيتنى خرجتُ إليه حتى أغتاله ومعى خنجَرٌ مثل خافية النّسر فأسُورُه ثمّ آخُذُ فى عيرٍ وأسبق القوم عَدوًا فإنّى هادٍ بالطريق خرّيتٌ! قال: أنت صاحبنا. فأعطاه بعيرًا ونفقة وقال: اطوِ أمرَك، فخرج ليلًا فسار على راحلته خمسًا وصبح ظهر الحرّة صُبحَ سادسةٍ ثمّ أقبل يسأل عن رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى دُلّ عليه: فَعَقَلَ راحلته ثمّ أقبل إلى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو فى مسجد بنى عبد الأَشْهَل، فلمّا رآه رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: إنّ هذا ليريد غَدْرًا! فذهب ليجنى على رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجذبه أسيد بن الحُضير بداخلة إزاره فإذا الخنجر فسقط فى يديه وقال: دمى! دمى! فأخذ أسيد بلبّته فَذَعَتَهُ (¬٣)، فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، اصدُقنى ما أنت؟ قال: وأنا آمنٌ؟ قال: نَعَمْ! فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان، فخلّى عنه رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأسلَم.
وبعثَ رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، عَمرو بن أميّة وسَلمة بن أسلم إلى أبى سفيان بن حرب وقال: إن أصبتما منه غِرّة فاقتلاه! فدخلا مكّة ومضَى عَمرو بن أُميّة
---------------
(¬١) النويرى ج ١٧ ص ٢١٤.
(¬٢) يَغْتَرُّ: فى ل "يغتال" والمثبت من م، ت بضبط الكلمة فيهما ضبط قلم هكذا. وكذا المواهب وهو ينقل عن ابن سعد.
وكذلك قيده الصالحى فى سبل الهدى ج ٦ ص ١٩٨، فقال: بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الفوقية وتشديد الراء ثم فسره بقوله: يأخذه غنلة. وفى القاموس: اغتر فلانا: أتاه على غفلة.
(¬٣) ذعته: أى خنقه أشد الخنق.