كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 2)

وبلَغ المشركين خروجُه فأجمعَ رأيهم على صدّه عن المسجد الحرام وعسكروا ببَلدَح (¬١) وقدّموا مائتى فارس إلى كُراع الغَميم (¬٢)، وعليهم خالد بن الوليد، ويقال عِكْرِمة بن أبى جهل، ودخل بُسر بن سفيان الخزاعى مكّة فسمع كلامهم وعرف رأيهم فرجع إلى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلقيه بغَدير الأشطاط وراء عُسفان فأخبره بذلك.
ودنا خالد بن الوليد فى خيله حتى نظر إلى أصحاب رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، عبّادَ بن بشر فتقدّم فى خيله فأقام بإزائه وصفّ أصحابه وحانت صلاة الظهر وصلّى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بأصحابه صلاة الخوف: فلمّا أمسَى رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال لأصحابه: تيامنوا فى هذا العَصَل (¬٣) فإنّ عيون قريش بمرّ الظهران وبضَجنان (¬٤): فسار حتى دنا من الحُديبية، وهى طَرَفَ الحَرَم على تسعة أميال من مكّة، فوقعت يدا راحلته على ثنيّة تَهبُطُه على غائط القوم فَبَركت: فقال المسلمون: حَلْ حَلْ! يزجرونها، فأبت أن تنبعث، فقالوا: خَلأت القصواء: فقال النبىّ، -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنّها ما خَلأت ولكنْ حَبَسَها حابسُ الفيل، أما واللَّه لا يسألونى اليوم خُطّةً فيها تعظيم حُرْمَةِ اللَّه إلا أعطيتهم إيّاها، ثم زَجَرها فقامت فولّى راجعًا عوده عَلى بَدْئه حتى نزل بالنّاس على ثَمَدٍ من أثماد الحُديبية ظَنُونٍ قليلِ الماء، فانتزع سهمًا من كنانته فأمر به فغُرز فيها فجاشت لهم بالرّواء حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسًا على شَفير البئر. ومطر رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، بالحُديبية مِرارًا وكرّت المياه.
وجاءه بُديل بن ورْقاء ورَكبٌ من خُزاعة فسلّموا عليه، وقال بُديل: جئناك من عند قومك كعب بن لُؤىّ وعامر بن لؤىّ قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم معهم العُوذ والمَطافيل والنساء والصّبيان يُقسِمون باللَّه لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تَبيدَ خضراؤهم: فقال رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-: لم نأتِ لقتال أحد، إّنما
---------------
(¬١) واد قبل مكة من جهة الغرب.
(¬٢) كراع الغميم: موضع بين مكة والمدينة.
(¬٣) العصل: الرمل المعوج اللتوى.
(¬٤) ضجنان: جبل بناحية مكة على طريق المدينة.

الصفحة 92