كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 3)
قالوا: واستعمل أبو بكر على الحج سنةَ إحدى عشرة عمر بن الخطّاب، ثمّ اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتى عشرة فدخل مكّة ضَحْوَةً فأتى منزله وأبو قُحافة جالس على باب داره معه فتيان أحداث يحدّثهم إلى أن قيل له هذا ابنك، فنهض قائمًا وعَجِلَ أبو بكر أن يُنيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول: يا أبتِ لا تقم، ثمّ لاقاه فالتزمه وقبّل بين عينيْ أبى قحافة وجعل الشيخ يبكى فرحًا بقدومه، وجاءَ إلى مَكّة عَتّاب بن أَسِيد (¬١) وسُهيل بن عمرو وعِكْرمة بن أبي جَهل والحارث بن هشام فسلّموا عليه: سلامٌ عليك يا خليفة رسول الله، وصافحوه جميعًا فجعل أبو بكر يبكى حين يذكرون رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ سلّموا على أبى قُحافة فقال أبو قحافة: يا عتيقُ هؤلاء الملأ فأحسِنْ صُحْبْتهم، فقال أبو بكر: يا أبتِ لا حول ولا قوة إلّا بالله! طُوّقتُ عظيمًا من الأمر لا قوّة لي به ولا يَدَانِ (¬٢) إلّا بالله. ثمّ دخل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحاهم ثمّ قال: امْشوا على رِسْلكم. ولقيه النّاس يتمشّون في وجهه ويُعزّونَه بنبيّ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وهو يبكي حتَّى انتهى إلى البيت فاضطبَع بردائه ثمّ استلم الرّكن ثمّ طاف سبعًا وركع ركعتين، ثمّ انصرف إلى منزله، فلمّا كان الظهر خرج فطاف أيضًا بالبيت، ثمّ جلس قريبًا من دار الندوة فقال: هل من أحدٍ يتشكّى من ظلامة أو يطلب حقًّا؟ فما أتاه أحد وأثْنى النّاس على واليهم خيرًا، ثمّ صلّى العصر وجلس فودّعه النّاس، ثمّ خرج راجعًا إلى المدينة، فلمّا كان وقت الحج سنة اثنتى عشرة حجّ أبو بكر بالنّاس تلك السنة وأفْرَدَ الججّ واستُخلف على المدينة عثمان بن عفّان.
* * *
---------------
(¬١) في متن ل "أُسَيد" وبالهامش: قراءة الشيخ محمد عبده "أَسِيد" وآثرت قراءته اعتمادا على رواية ث حيث ضبطت الكلمة فيها كما هو مثبت هنا ضبط قلم، واعتمادا على ما قيده ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه: بفتح أوله وكسر العين المهملة.
(¬٢) في متن ل "يُدانُ" وفى الهامش: الشيخ عبده "يَدَان" وقد آثرت قراءة الشيخ اعتمادا على رواية ث حيث ضبطت الكلمة فيها كما هو مثبت هنا ضبط قلم.
الصفحة 171
592