كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 3)

عبدًا حبَشيًّا وبعيرًا ناضحًا (¬١) وجَرْدَ قطيفةٍ (¬٢) ثَمَنَ خمسة الدراهم؟ قال: فما تأمُرُ؟ قال: تَرُدّهنّ على عياله، فقال: لا والذى بعث محمّدًا بالحقّ، أو كما حلف، لا يكون هذا في ولايتى أبدًا ولا خرج أبو بكر منهنّ عند الموت وأرُدّهُنّ أنا على عياله، الموتُ أقربُ من ذلك.
قال: أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أُسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لمّا مرض أبو بكر:
مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُه مُقَنَّعًا (¬٣) ... فإنه في مرة مدفوقُ (¬٤)
فقال أبو بكر: ليس كذاك أي بُنيّه ولكن {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (٢) [سورة ق: ١٩].
قالَ: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا هارون بن أبي إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن عُبيد أنّ أبا بكر أتته عائشة وهو يجي بنفسه فقالت: يا أبتاه هذا كما قال حاتم:
إذا حَشْرَجَتْ يوْمًا وضاقَ بها الصّدْرُ (¬٥)
فقال: يا بُنيّة قول الله أصْدق، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}، إذا أنا مِتّ فاغْسلى أخْلاقى (¬٦) فاجْعليها أكْفانى، فقالت: يا أبتاه قد رزق الله وأحسن، نُكَفّنُك في جديد، قال: إنّ الحَيّ هو أحْوَجُ يَصُونُ نفسه
---------------
(¬١) النواضح: الإبل التي يستقى عليها، واحدها: ناضح.
(¬٢) لدى ابن الأثير في النهاية (جرد) وفى حديث أبى بكر رضي الله عنه "ليس عندنا من مال المسلمين إلّا جَرْد هذه القطيفة" أي التي انجرد خَمْلُها وخَلَقَت.
(¬٣) المقنَّع: المحبوس في جوفه.
(¬٤) في الأصول: "من لا يزال دمعه مقنعا فإنه لابد مرة مدفوق" ومثله في تاريخ الإسلام للذهبى، وهو غير صحيح عروضيا. والتصحيح مما ورد لدى الصالحى ج ١٢ ص ٢٠٥.
(¬٥) الذهبي: تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين ص ١١٩.
(¬٦) أخلق الثوب: بَلِىَ. وأخلق فلان: صارت ملابسه أخلاقا.

الصفحة 180