كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 3)

فَكُفّوا من الوَجد الّذى قد شجاكمُ ... ولا تُعْمِلُوا (¬١) في الأرض نَصّ الأَباعر
فإنّى بحمد الله في خَيْر أسْرَةٍ ... كِرامِ مَعَدٍّ كابرًا بعْدَ كابِر (¬٢)
قال فانطلق الكلبيّون وأعلموا أباه فقال: ابْنى وربّ الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند مَن هو فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفِدائه، وقَدِما مكّة فسألا عن النّبيّ، - صلى الله عليه وسلم -، فقيل هو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: يا بن عبد الله، يابن عبد المطّلب، يابن هاشم، يابن سيّد قومه، أنتم أهلُ الحَرَم وجيرانُه وعند بيته تَفُكّون العانىَ وتُطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنُنْ علينا وأحْسِن إلينا في فدائه فإنّا سنرفع لك في الفداء. قال: مَن هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: فهلاّ غير ذلك؟ قالوا: ما هو؟ قال: دَعُوه فخيّروه فإن اختاركم فهو لكما بغير فداءٍ، وإن اختارني فوالله ما أنا بالّذى أختار على مَن اختارني أحدًا، قالا: قد زدتنا على النَّصَفِ (¬٣) وأحسنتَ، قال فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم. قال: مَن هما؟ قال: هذا أبى وهذا عَمّى، قال: فأنا مَنْ قد علمتَ ورأيتَ صُحْبَتى لك فاخْتزنى أو اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالّذى أختار عليك أحدًا، أنت منّى بمكان الأب والأم، فقالا: ويْحك يا زيد أتَخْتَار العبوديّة على الحرّيّة وعلى أبيك وعمّك وأهل بيتك؟ قال؟ نعم، إنى قد رأيتُ من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالّذى أخْتار عليه أحدًا أبدًا. فلمّا رأى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ذلك أخرَجه إلى الحِجْر فقال: يا من حَضَرَ، اشهدوا أنّ زَيْدًا ابنى أرثُهُ ويرثنى، فلمّا رأى ذلك أبوه وعمّه طابت أنفسهما وانصرفا.
---------------
(¬١) في متن ل "ولا تَعْمَلُوا" وبالهامش الصحيح لدى الشيخ محمد عبده "ولا تُعْمِلُوا" وآثرت قراءته اعتمادا على هذا الضبط في كل من ت، ث.
(¬٢) الخبر والأبيات لدى ابن الأثير في أسد الغابة ج ٢ ص ٢٨١، وابن ححر في الإصابة ج ٢ ص ٥٩٨.
(¬٣) ل "النِّصف" والمثبت رواية ث وقد ضبطت الكلمة فيها ضبط قلم بفتح النون والصاد: والنَّصَف: العَدْل.

الصفحة 40