أتياهم ومعهما ناس من المهاجرين، فجرى بينهم وبين الأنصار كلامٌ ومحاورة في بَيْعَة سعد بن عُبادة، فقام خطيب الأنصار فقال: أنا جُذَيلها المحكَّك وعُذيقها المرجَّب، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللّغط وارتفعت الأصوات فقال عمر: فقلتُ لأبى بكر ابْسُطْ يَدَك، فبسطَ يده فبايعتُه وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ونَزَوْنا على سعد بن عبادة وكان مُزَمّلًا بين ظَهْرانَيْهم فقلت: ما له؟ فقالوا: وَجِعٌ. قال قائل منهم: قتلتم سعدًا، فقلت: قَتل الله سعدًا، إنّا والله ما وجدنا فيما حَضَرَنا من أمرِنا أقوى من مبايعة أبى بكر، خشينا إن فارَقْنا القومَ ولم تكن بَيْعة أن يبايعوا بعدنَا فإمّا أن نُبايعهم على مالا نرضَى وإمّا أن نُخالفَهُم فيكون فسادًا.
أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثنى محمّد بن صالح عن الزبير بن المنذر بن أبى أُسيد الساعدىّ أنّ أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقْبِلْ فبايِعْ فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: لا والله لا أبايع حتى أُراميكم بما في كِنَانتى وأُقاتلكم بمن تبعنى من قومى وعشيرتى. فلمّا جاء الخبر إلى أبى بكر قال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله إنّه قد أبَى ولَجّ وليس بمبايعكم أو يُقْتَلَ ولن يُقتَلَ حتى يُقْتَلَ معه ولده وعشيرته ولن يُقْتَلوا حتى تُقْتَلَ الخزرج، ولن تُقْتَلَ الخزرج حتى تُقْتَلَ الأوس، فلا تُحَرّكوه فقد استقام لكم الأمر فإنّه ليس بضارِّكم إنّما هو رجل وَحْدَهُ ما تُرِك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير فترك سعدًا، فلمّا ولى عمر لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد! فقال سعد: إيه يا عمر! فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ فقال سعد: نعم أنا ذاك وقد أفْضَى إليك هذا الأمر، كان والله صاحبك أحبّ إلينا منك وقد والله أصبحتُ كارهًا لجوارك. فقال عمر: إنّه من كَرِهَ جوارَ جاره تحوّل عنه، فقال سعد: أما إنى غير مُسْتَنسئ (¬١) بذلك وأنا متحوّل إلى جوار مَن هو خير منك. قال فلم يلبث إلاّ قليلًا حتى خرج مهاجرًا إلى الشأم في أول خلافة عمر بن الخطّاب فمات بحوران (¬٢).
---------------
(¬١) كذا في ل، وضبطت فيها -ضبط قلم- بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح التاء .. إلخ. وبهامش ل "لوت loth" مستنسئ" وقد قمت بتسجيلها ولو أنها مشكوك في صحتها ولعلها "مستشر". ورواية ث "مُسْتَسِرٍّ".
هذا والخبر في تاريخ ابن عساكر (مختصر ابن منظور) ج ٩ ص ٢٤٥ وفيه "مستنسئ".
(¬٢) مختصر تاريخ دمشق ج ٩ ص ٢٤٥.