كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 4)

دفعته إلى أمّ الفضل يومَ خرجتَ فقلتَ لها إنى لا أدرى ما يصيبنى فى وجهى هذا فهذا لك وللفضل ولعبد الله وعبيد الله وقُثَمَ فقلتُ له: مَن أخبرك بهذا؟ فوالله ما اطّلع عليه أحد من النّاس غيرى وغيرها، فقال رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-: الله أخبرنى بذلك، فقلتُ له: فأنا أشهد أنّك رسول الله حقًّا وأنّك لصادق وأنا أشهد أن لا إله إِلّا الله وأنّك رسول الله، وذلك قول الله: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا (يقول صِدْقًا) يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة الأنفال: ٧٠]، فأعطانى مكانَ عشرينَ أوقيّة عشرين عبدًا وأنا أنتظر المغفرة من ربّى (¬١).
قال: أخبرنا (¬٢) هاشم بن القاسم أبو النّضْر قال: حدثّنا سليمان بن المغيرة عن حُميد بن هِلال العَدَوىّ أنّ العلاء بن الحَضْرمى بعث إلى رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، من البَحْرَين بثمانين ألفًا فما أتى رسولَ الله، -صلى الله عليه وسلم-، مال كان أكثر منه لا قبلُ ولا بعدُ، فأمر بها فنُثرَت (¬٣) على حصيرٍ ونودى بالصّلاة، فجاء رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فمَثَلَ على المال قائمًا وجاء الناس حين رأوا وما كان يومئذ عدد ولا وزن، ما كان إلا قبضًا. فجاء العبّاس فقال: يا رسول الله إنى أعطيتُ فِداىَ وفِدى عَقِيل بن أبى طالب يومَ بدر ولم يكن لعقيل مال، فأعْطِنى من هذا المال، فقال: خُذْ، قال فحثا العبّاس فى خَميصة كانت عليه ثمّ ذهب ينهض فلم يستطع فرفع رأسه إلى رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله ارفع علىّ، فتبسّم رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، حتى خرج ضاحِكُه أو نابُه، قال: ولكن أعِدْ في المال طائفةً وقُمْ بما تُطيق، ففعل فانطلق بذلك المال وهو يقول: أمّا إحدى اللتّين وَعَدَنا الله فقد أنجزها ولا أدرى ما يصنع فى الأخْرى، يعنى قولَه: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} فهذا خير ممّا أُخِذَ منّى ولا أدرى ما يصنع فى المغفرة.
قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن
---------------
(¬١) ابن عساكر ص ١٢٢
(¬٢) ابن عساكر ص ١٢٣، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٨٩.
(¬٣) فى المطبوع "فنشرت" والمثبت من ث، وابن عساكر والذهبى فى سير أعلام النبلاء.

الصفحة 14