كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 4)

قال محمد بن سعد (¬١): فذكرتُ هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: هذا عندنا وَهَلٌ لا يشكّ فيه أهلُ العلم والرواية، إنّ العبّاس كان بمكّة ورسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، بخيبر قد فتحها، وقدم الحجاج بن عِلاط السّلَمى مكّة فأخبر قريشًا عن رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، بما أحبّوا أنّه قد ظُفِر به وقُتِل أصحابُه فسُرّوا بذلك، وأَفْظَع (¬٢) العبّاسَ خبرُه وساءه وفتح بابه وأخذ ابنه قُثَمُ فجعله على صدره وهو يقول:
يا قُثَمْ يا قُثَمْ يا شِبْهَ ذى الكَرَمِ
حتى أتاه الحجّاج فأخبره بسلامة رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، وأنّه قد فتح خَيْبَر وغنّمَهُ الله تعالى ما فيها، فسُرّ بذلك العبّاس ولبس ثيابه وغدا إلى المسجد فدخله وطاف بالبيت وأخبر قريشًا بما أخبره به الحجّاج من سلامة رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، وأنّه فتح خيبر وما غنّمه الله من أموالهم. فكُبتَ المشركون وساءهم ذلك وعلموا أنّ الحجّاج قد كذبهم (¬٣) فى خبره الأول، وسرّ ذلك المسلمين الذين بمكّة وأتوا العبّاس فهنئوه بسلامة رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، ثمّ خرج العبّاس بعد ذلك فلحق بالنبيّ، -صلى الله عليه وسلم-، بالمدينة فأطعمه بخيبر مائتى وَسْق تمر فى كلّ سنة، ثمّ خرج معه إلى مكّة فشهد فتح مكّة وحُنين والطائف وتَبُوك، وثبت معه يوم حنين فى أهل بيته حين انكشف الناس عنه.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبى أُويس قال: حدّثنا عبد العزيز بن محمّد عن محمّد بن عبد الله عن عمّه ابن شهاب عن كثير بن عبّاس بن عبد المطّلب عن أبيه قال: شهدتُ مع رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، يومَ حُنين فلزمتُه أنا وأبو سُفْيان بن الحارث بن عبد المطّلب فلم نفارقه، والنبيّ، -صلى الله عليه وسلم-، على بغلة له بيضاء أهداها له فَرْوَة بن نُفاثة الجُذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكُفّار ولّى المسلمون مُدْبِرين وطفق رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، يَرْكُضُ بغلتَه نحو الكُفّار، قال عبّاس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، أكُفّها إرادة أن لا تُسْرِعَ،
---------------
(¬١) أورده ابن عساكر ١٢٦. والذهبى فى سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٨٧ نقلا عن ابن سعد.
(¬٢) وأَفْظَع تحرف فى طبعة ليدن والطبعات اللاحقه إلى "وأقطع" وصوابه من ث، وابن عساكر وهو ينقل عن ابن سعد.
(¬٣) فى المطبوع "قد كان كذبهم".

الصفحة 16