كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 4)

العبّاس: قلعتَ ميزابي، والله ما وضعه حيثُ كان إلا رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، بيده، قال عمر: لا جَرَمَ أن لا يكون لك سُلّم غيري ولا يضعه إلّا أنتَ بيدك. قال فحمل عمر العبّاس على عُنُقِه فوضع رجليْه على مَنْكِبَىْ عمر ثمّ أعاد الميزاب حيثُ كان فوضعه موضعَه (¬١).
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو أُميّة بن يَعْلى عن سالم أبي النّضْر قال: لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدّور إلا دار العبّاس بن عبد المطّلب وحُجَر أمّهات المؤمنين. فقال عمر للعبّاس: يا أبا الفضل إنّ مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابْتَعْتُ ما حوْله من المنازل نُوسّع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارَكَ وحُجَر أمّهات المؤمنين، فأمّا حُجَر أمّهات المؤمنين فلا سبيلَ إليها وأمّا دارك فبِعْنِيها بما شِئْتَ من بيت مال المسلمين أوسّع بها في مسجدهم، فقال العبّاس: ما كنتُ لأفعل، قال فقال له عمر: اخْتَرْ مني إحدى ثلاثٍ، إمّا أن تبيعنيها بما شئتَ من بيت مال المسلمين، وإمّا أن أخطّطك حيثُ شئتَ من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين، وإمّا أن تَصَدّقَ بها على المسلمين فنوسِّع بها في مسجدهم، فقال: لا، ولا واحدة منها، فقال عمر: اجعلْ بيني وبينك مَن شئتَ، فقال: أُبَيّ بن كعب. فانطلقا إلى أُبَيّ فقصّا عليه القصّة فقال أُبَيّ: إن شئتما حَدّثْتُكُما بحديث سمعتُه من النبيّ، -صلى الله عليه وسلم-، فقالا: حدثّنا، فقال: سمعتُ رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، يقول إنّ الله أوحي إلى داود أنِ ابْنِ لي بيتًا أُذْكَرُ فيه، فخَطّ له هذه الخِطّةَ خِطَةَ بيت المقدس فإذا تربيعها [يُزَوِّيه] (¬٢) بيت رجل من بني إسرائيل، فسأله داود أن يبيعه إيّاه فأبَى، فحدّث داود نفسه أن يأخذ منه فأوحى الله إليه أن يا داود أمرتُك أن تبني لى بيتًا أُذْكَرُ فيه فأردتَ أن تُدْخِلَ في بيتي الغَصْبَ وليس من شأنى الغَصْب، وإنّ عقوبتَك أن لا تبْنِيَه، قال: يا ربّ فمِن ولدي؟ قال: من ولدك. قال فأخذ عمر بمجامع ثياب أُبَيّ بن كعب وقال: جئتُك بشيء فجئتَ بما هو أشَدّ منه، لتخرجنّ ممّا قلتَ. فجاء يقوده حتى أدخله المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول
---------------
(¬١) ابن عساكر ص ١٩١.
(¬٢) من ث، وهو لدى ابن عساكر نقلا عن ابن سعد.

الصفحة 19