كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 4)

مخالف لكم فأخفوا أمركم حتى يَنْصَدع هذا الحاجّ ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم الأمرَ فتدخلون على أمر بيّن. فوعدهم رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، الليلةَ التي في صُبْحها النفر الآخر أن يوافيهم أسفَلَ العقبة حيث المسجد اليومَ وأمرهم أن لا ينبّهوا نائمًا ولا ينتظروا غائبًا (¬١).
أخبرنا (¬٢) محمد بن عمر عن عُبيد بن يحيى عن مُعاذ بن رِفاعة بن رافع قال: فخرج القوم تلك الليلة ليلةَ النفر الأوّل بعد هَدْأة (¬٣) يتسلّلون وقد سبقهم رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، إلى ذلك الموضع ومعه العبّاس بن عبد المطّلب ليس معه أحد من الناس غيره، وكان يثق به في أمره كلّه، فلمّا اجتمعوا كان أوّل من تكلّم العبّاس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج، وكانت الأوس والخزرج تُدْعى الخزرج. إنّكم قد دعوتم محمّدًا إلى ما دعوتموه إليه ومحمّد من أعزّ النّاس في عشيرته يمنعُه واللهِ مَن كان منّا على قوله ومن لم يكن منّا على قوله مَنَعةً للحسب والشرف، وقد أبَى محمّدًا الناسُ كلّهم غيركم فإن كنتم أهل قوّةٍ وجَلَد وبَصَر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبةً فإنّها ستَرميكم عن قوس واحدة فارتئوا رأيكم وأتمروا أمركم ولا تفترقوا إلا عن ملأٍ منكم واجتماع فإنّ أحسنَ الحديث أصدقُه، وأُخْرى، صِفوا لي الحربَ كيف تقاتلون عدوّكم. قال فأسكت القوم وتكلّم عبد الله بن عمرو بن حرام فقال: نحن والله أهل الحرب غُذينا بها وَمُرِنّا عليها وورثناها عن آبائنا كابرًا فكابرًا، نَرْمي بالنبل حتى تَفْني، ثمّ نُطاعن بالرماح حتى تُكْسَرَ الرماح، ثم نمشي بالسيوف فنضارب بها حتى يموت الأعجل منّا أو من عدوّنا. فقال العباس بن عبد المطّلب: أنتم أصحاب حرب فهل فيكم دُروعٌ؟ قالوا: نعم شاملة، وقال البراء بن مَعْرُور: قد سمعنا ما قلتَ، إنّا والله لو كان في أنفسنا غير ما ينطق به لقلناه ولكنّا نريد الوفاء والصدق وبذل مُهَج أنفسنا دون رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-. قال وتلا رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، القرآن ثمّ دعاهم إلى الله ورغّبهم في الإسلام
---------------
(¬١) سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٨٥.
(¬٢) الخبر لدى الذهبي في المصدر السابق من طريق الواقدي.
(¬٣) هدأة: تحرف في طبعة ليدن وما بعدها إلى "هذه" وصوابه من ث، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٨٥.

الصفحة 7