كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنى إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عيسى بن طلحة، قال: لما توفى رسول، - صلى الله عليه وسلم -، وارتدَّت العرب، ارتد أهل هَجَر عن الإسلام، فقال أبان بن سعيد لعبد القيس بلغُونى مأمنى، قالوا: بل أقم فلنجاهد معك في سبيل الله فإن الله مُعِزٌّ دينه ومُظهره على ما سواه، وعبدُ القيس لم ترجع عن الإسلام. قال: بل بلّغُونى مأمنى، فأشهَدُ أمرَ أصحابِ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فليس مثلى يغيب عنهم، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم. فقالوا: لا تفعل أنت أعز الناسِ وهذا عليك وعلينا فيه مقالةٌ، يقول قائلٌ: فَرَّ من القتال (¬١).
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثنى معاذ بن محمد، عَن أبى بكر بن عبد الله بن أبي جهم، قال: مشى إليه الجارُودُ العَبدِى فقال: أنشدك الله أن تخرج من بين أظهرنا، فإن دارنا منيعةٌ، ونحن سامعون مطيعون، ولو كنت اليوم بالمدينة لَوَجَّهَكَ أبو بكر إلينا لمحالفتك إيانا، فلا تفعل فإنك إنْ قدمت على أبي بكر لَامَك وَفَيَّل (¬٢) رأيك وقال: تخرج من عند قوم أهل سمع وطاعة ثم رَجَعَكَ إلينا، قال: إذن لا أرجع أبدًا ولا أعمل لأحد بعد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فلما أبى عليه إلا كلمةً واحدةً قال أبان: إن معي مالًا قد اجتمع، قالوا: احمله فحمل مائةَ ألف درهم وخرج معه بثلاثمائة من عبد القيس خُفَرَاءَ حتى قدم المدينة على أبى بكر، فلامه أبو بكر وقال: ألا ثَبَتّ مع قوم لم يرتَدُّوا ولم يُبَدِّلوا! ؟ قال أبان: هم على ذلك ما أرغبهم في الإسلام وأحسن نياتهم، ولكن لا أعمل لأحدٍ بعد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - (¬٣)، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عمر بن عثمان المخزومى، عن عبد الملك بن عُبيد، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قال: قال عمر بن الخطاب، لأبان بن سعيدٍ حين قدم المدينة: ما كان حقك أن تقدم، وتترك عملك بغير إذن إمامك ثم على هذه الحال، ولكنك أمنته، فقال أبان: إنى والله ما كنت لأعمل لأحدٍ بعد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، كنت عاملًا لأبى بكر في فضلِه وسابقته
---------------
(¬١) الخبر بسنده ونصه لدى ابن عساكر في تاريخه - مختصر ابن منظور.
(¬٢) قال الرجل في رأيه وفَيَّلَ إذا لَم يُصب فيه (النهاية).
(¬٣) الخبر بسنده ونصه لدى ابن عساكر في تاريخه - مختصر ابن منظور.

الصفحة 11