كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

بعد الموت، وجعلتُ أحبُّ النظر إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إلى أَنْ رأيتُه خارجًا من باب بنى شَيبَة يريد مَنزِلَهُ بالأَبْطَح، فأردت أن آتِيَه وآخُذَ بيده وأُسلِّم عليه، فلم يُعْزَمْ لي على ذلك، وانصرفَ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، راجعًا إلى المدينة، ثم عُزِمَ لي على الخروج إليه، فأدْلجتُ إلى بطن يَأْجج (¬١)، فألقى خالدَ بن الوليد، فاصطحبنا حتى وصلنا الهَدَةَ (¬٢)، فما شعرنا إلا بعمرو بن العاص، فانقمعنا منه وانقمع منّا، ثم قال: أين يُريدُ الرجلان؟ فأخبرناه، فقال: وأنا أريد الذي تريدان، فاصطحبنا جميعا حتى قدمنا المدينة على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فبايعته على الإسلام، وأقمت حتى خرجت معه في غزوة الفتح، ودخل مكة فقال لي: يا عثمان ائْتِ بالمفتاح، فأتيتُهُ بهِ، فأخذه منى ثم دفعه إليّ مُضْطَبِعًا (¬٣) عليه بثوبه، وقال: خُذها تالدةً خالدةً، لا ينزعُها منكم إلا ظالم: يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصلُ إليكم من هذا البيت بالمعروف. قال عثمان: فلما ولَّيتُ نادانى، فرجعت إليه فقال: ألم يكن الذي قلتُ لك؟ قال: فذكرت قوله، - صلى الله عليه وسلم -، لي بمكة قبل الهجرة: لعلك سترى هذا المفتاح يومًا أضعه حيث شئت فقلت: بلى أشهد أَنَّكَ رسولُ الله (¬٤).
قال: أخبرنا أنسَ بن عياض أبو ضَمرة اللّيثى، قال: حدّثنا محمد بن أبي يحيى، عن عمر بن أبي مُعَتِّب عن سعيد بن المسيِّب، قال: لما دخل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مكة ففتحها، أخذَ المفتاح بيده ثم قام للناس، فقال: هل من متكلِّم؟ هل من أحدٍ يتكلَّم؟ قال: فتَطَاول العباسُ ورجالٌ من بنى هاشم رجاءَ أَنْ يدفعها إليهم مع السِّقاية قال [فقال] لعثمان بن طلحة: تعالَ. قال فجاء فوضعها في يده (¬٥).
---------------
(¬١) موضع على ثلاثة أميال من مكة.
(¬٢) الهَدَة: بتخفيف الدال، موضع لأعلى مرّ الظهران على مرحلة من مكة.
(¬٣) ورد لدى ابن الأثير في النهاية (ضبع) ومنه الحديث "أنه طاف مُضْطبِعا ... " هو أن يأخذ الإزارَ أو البُردَ فيجعل وسطه تحت إبْطِه الأيمن، ويُلقى طَرَفيه على كَتِفه الأيسر من جِهَتَى صدره وظهره.
(¬٤) الخبر بنصه عن عثمان بن طلحة لدى ابن عساكر في تاريخه: مختصر ابن منظور.
(¬٥) الخبر لدى ابن عساكر برواية سعيد بن المسيّب كذلك. وما بين حاصرتين منه.

الصفحة 17