كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

قال: أخبرنا وكيعُ الجَرّاح، ومحمد بن عبد الله الأسدى، عن عبد الله بن لَاحِق المكى، عن ابن أبي مُليكة سمعته منه قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشِيّ (¬١)، فحُمِل حتى دُفن بمكة. قال: فقدمت عائشة من المدينة فَأَتَت قبَره فوقفت عليه فتمثلت بهذين البيتين:
وكُنّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمة حِقْبَةً ... من الدَّهْر حتى قيل: لن يَتَصدَّعَا
فلما تَفَرَّقْنَا كَأَنِّى ومَالكًا ... لطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا (¬٢)
ثم قالت أَمَا والله لو شهدتك ما زرت قبرك، ولو شهدتك ما حُمِلتَ من حبشيّ ميتًا وَلَدُفِنْتَ مكانك.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدى عن أيوب (¬٣)، عن عبد الله بن أبي مُليكَةَ أن عبد الرحمن بن أبي بكر تُوفى في منزلٍ له فحملناه على رقابنا ستة أميالٍ أبى مكة وعائشةُ غائبةُ. فقَدِمَتْ بعد ذلك فقالت: أَرُونى قبرَ أخى فأَرَوها فَصَلَّت عليه.
قال: أخبرنا مُعاذ بن مُعاذ، قال: حدّثنا ابن عون، قال: حدّثني رجلٌ قال: قدمت أم المؤمنين ذَا طُوًى (¬٤) حين رفعوا أيديهم عن قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: فَفَعَلَتْ يومئذ وتركت، قال: فقالت لها امرأة: وإنك لتفعلين مثل هذا يا أمَّ المؤمنين؟ ! قالت: وما رأيتنى فعلت؟ إِنه ليست لنا أكباد كأكباد الإبل، قال: ثم أمرت بفُسطاط فَضُرب على القبر وَوَكّلوا به إنسانًا وارتحلت، فقدم ابن عمر فرأى الفسطاط مضروبًا فسأل عنه فحدثوه، فقال للرجل: انزعه قال: إنهم وكّلونى به، قال: وأخبرهم أن عبد الرحمن إنما يُظلّه عَملهُ (¬٥).
---------------
(¬١) حُبشِيّ: جبل أسفل مكة بنعمان الأراك، يقال به سُميت أحابيش قريش (ياقوت) وفى هامش الأصل "قال البكرى: حَبِيش بفتح أوله وكسر ثانيه: جبل بمكة، وبه سُمِّيت الأحابيش حلفاء قريش، لأنهم تحالفوا تحته لا ينقضون ما أقام حَبِيش. وأهل الحديث يقولون "حبْشِيّ" بضم أوله منسوب على مثال فُعْلِيّ: موضع على نحو عشرة أميال من مكة، به مات عبد الرحمن بن أبي بكر فجأة؛ وصحته والله أعلم: حَبِيش".
(¬٢) البيتان في الشعر والشعراء ج ١ ص ٣٣٨، وأسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٩
(¬٣) "عن أيوب" استدركت بهامش الأصل، وفوقها (صح).
(¬٤) ذو طوى: واد بمكة.
(¬٥) الخبر بنصه لدى ابن عساكر في تاريخه - مختصر ابن منظور ج ١٤ ص ١٨٦

الصفحة 22