كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

قال: فخرج فركبَ دابّتَهُ وانطلق نحو الزاويةَ قال: فقال في مَسِيره ذاك: والله ما أعرف شيئًا مما كنا عليه على عهد النبيّ، - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا شهادةَ أن لا إله إِلَّا الله، فقال له رجلٌ: فالصلاة يا أبا حمزةَ، قال: قد صلّيتم الظهر عند المغرب أفَتِلكَ كانت صلاهَ رسولِ الله، - صلى الله عليه وسلم -!
قال: أخبرنا محمدُ بنُ كثير وشهابُ بنُ عبّاد العَبدِيّان قالا: حدّثنا جعفر بن سليمان الضَّبَعِيّ، عن علي بن زَيد بن جُدْعَان، قال كنتُ في دار السَّمارةِ والحجّاجُ يعرضُ الناسَ أيام ابن الأشعث قال: فجاء أنس بن مالك فَدَخَلَ فلمّا دَنا منهُ قال له الحجّاجُ: يا خِبْثَةُ (¬١)! جَوَّالٌ في الفتن، مَرَّةً مع علي بن أبي طالب، ومَرَّةً مع ابن الزبير، ومَرَّةً مع ابن الأشعث! واللهِ لأَسْتَأصِلَنَّكَ كما تُسْتَأصَلُ الصَّمغَةُ، ولأُجَرِّدَنَّك كما يُجَرَّدُ الضَّبُّ قال: فقال أنس: مَن يَعنى الأمير أصلحه الله؟ قال: إياك أعنى، أَصَمَّ الله سَمْعَكَ. قال: فقال أنس: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. قال: وشُغِلَ الحجّاجُ عنه فخرج أنسٌ فَتَبعتُه فقلتُ: ما منعك أن تُجِيبَهُ؟ فقال: لولا أنى ذكرتُ كثرةَ وَلدِى وخَشِيتُه عليهم بعدى لكلمته بكلام في مقامى، لا يستحيينى بعده أبدا (¬٢).
قال محمّد بن عمر: وقد فعل ذلك بغير واحد من أصحاب رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يُريدُ أن يُذلّهم بذلك، وقد مَضَتْ العِزَّةُ لهم بصحبةِ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال: حدّثني ابن أَبِى ذِئب، عن إسحاق بن يَزيدَ، قال: رأيتُ أنس بن مالك مختومًا في عنقه، خَتَمَهُ الحجاجُ، أراد أن يُذِلَّهُ بذلك.
قال: أخبرنا يحيى بن خُلَيف بن عطية قال: أخبرنا أبو موسى عن أبان بن أبي
---------------
(¬١) لدى ابن الأثير في النهاية (خبث) ومنه حديث الحجاج "أنه قال لأنس يا خِبْثَة" يريد يا خبيث. ويقال للأخلاق الخبيثة خِبْثة.
(¬٢) في ث " ... لولا أنى ذكرت كثرة: لدى وخشيته عليهم لأسمعته في مقامى هذا ما لا يُسْتخْشَنُ لأحدٍ بعدى" وقد اتبعت ما ورد بالمزى ج ٣ ح ٣٧٣، والذهبى في تاريخ الإسلام وسير أعلاء النبلاء، راجع أيضًا مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج ٥ ص ٧٤. وقوله لا يستحيينى: أي لا يتركنى حيا.

الصفحة 340