كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

وكان معنا أناسٌ من الأَعْراب، قال: فكُنّا نبتدر الماء، وكان الأعرابُ يسبقوننا، فَيَسبقُ الأَعرابيُّ أصحابَهُ فَيَمْلأُ الحوضَ، ويجعل حولَهُ حجارةً، ويجعل النِّطَع (¬١) عليه حتى يجئ أصحابهُ قال: فأتى رجلٌ من الأنصار أعرابيًّا فَأَرْخَى زِمَام ناقتهِ أن تشرب، فأبى أن يَدَعَه، فانتزعِ حجرًا ففاض الماء، فرفع الأعرابى خَشَبةً فضرب بها رأس الأنصاري فشجَّهُ، فَأتَى عبدَ الله بن أُبَيّ رأسَ المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أُبَيّ ثم قال: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [سورة المنافقون: ٧] يعني الأعرابَ. وكانوا يَحضُرون رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، عند الطعام، فقال عبد الله لأصحابه: إذا انْفَضُّوا مِن عند محمدٍ فَأْتوا محمدًا بالطعام، فليأكل هو ومن عِنْدَه. ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فَلْيُخْرِج الأَعَزُّ منكم الأذَلّ. قال زيدٌ. كنتُ رِدْفَ عَمِّى قال: فسمعت عبد الله، وكنا أخوالَهُ فأخبرتُ عَمِّى، فانطلق فأخبر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إليه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فحلف وجَحَد. قال: فَصَدَّقهُ رسولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وكَذَّبَنى. قال: فجاء إِلَيَّ عَمِّى فقال: ما أردتَ إلى أَنْ مقتكَ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وَكَذَّبَكَ المسلمون. قال: فوقع عَلَيَّ من الهَمِّ ما لم يقع عَلَى أَحَدٍ قَطّ.
قال: فبينا أنا أسير مع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في سفرٍ قد خَفَقْتُ بِرَأْسى من الهَمِّ. إذ أتانى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فَحَرك أذنى وضحك في وجهى، فما يسرنى بها الخُلد - أو قال: الدنيا -: ثم إن أبا بكر لحقنى فقال: ما قال لك رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت ما قال لي شيئًا إلا أن عَرك أذنى وضحِك فما وجهى فقال: أبشر ثم لحقنى عُمَر فقلت له مثل قولى لأبى بكر. فلما أصبحنا قرأ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، سورة المنافقين (*).
قال: أخبرنا الحسن بن موسى وعمرو بن خالد المصرى قالا: حدّثنا زُهير، قال: حدّثنا أبو إسحاق أنه سمع زيد بن أرقم يقول: خرجنا مع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في سفر أصابَ الناس فيه شِدّةٌ فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى يَنْفَضُّوا من حوله. قال زهير: وهي في قراءة
---------------
(¬١) النِّطَع: بساط من الأديم.

الصفحة 360