كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

أبى بكر، ومحمد بن أَبِى حُذَيَفة: يَا بَنى أَخِى، لَا تصافَّا معاوية وعَمْرو بن العاص غدًا بأهل مصر. فإنهم سَيُسلمونكما فتُقْتلان فكان كما قال قيسٌ (¬١).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا مُفَضَّل بن فَضَالة المَعَافِرِى، عن يَزِيدَ بن أَبِى حَبِيب قال: استعمل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قَيْسَ بن سعد على مصر، وكان من ذوى الرأى، فكان قد ضبط مِصر وقام فيها قِيَامًا مُجْزِيًا، وَوَادَعَ أَهْلَ خَرِبْتَا (¬٢) وأَدَرَّ عليهم أرزاقهم وكَفَّ عنهم وأحسن جوارهم. وكان عَمْرو بن العاص ومعاوية بن أَبى سفيان قد شق عليهما وعلى أهل الشام ما يصنع قيس من مناصحة عليّ، وما ضيّق عَلَى أهل الشام فلا يحمل إليهم طعامًا. وكان عمرو بن العاص ومعاوية جَاهِدين أَنْ يخرجا قَيْسًا من مصر ويغلبا عليها. وكان قيس قد امتنع منهما بالكيدة والدّهاء، فَمَكَرَا بعلِيِّ في أمره. فكتب معاوية كتابًا في قيس إليه يذكر فيه مَا أَتَى إلى عثمان من الأمر العظيم، وأنه على السمع والطاعة. ثم نادى معاوية: الصلاةُ جامعةٌ فاجتمع الناس في السلاح، فَحَمِد الله وأثنى عليه وقال: يا أهل الشام، إن الله يَنْصُرُ خليفتَهُ المظلوم، ويخذلُ عَدُوَّهُ أبشروا. هذا قيس بن سعد نَابُ العربِ قد أبصر الأمر، وعرفهُ على نفسه، ورجع إلى ما عليه من السمع والطاعة، والطلب بدم خليفتكم، وكتب إِلَيَّ بذلك كتابًا، وأمر بالكتاب فَقُرِئ، وقد أَمَرَ بحمل الطعام إليكم، فَادْعُوا الله لقيس بن سعد، وأرفعوا أيديكم، وابتهلوا له في الدعاء بالبقاء والصلاة. فَعَجُّوا وعَجَّ معاوية وعمرو، ورفعوا أيديهم ساعةً ثم افترقوا. فأخذ معاوية بيد عمرو بن العاص وقال: تَحَيَّن خروجَ العيون اليوم إلى عَلِيٍّ. يَسِيرُ الخبرُ إليه سبعًا أو ثمانيًا فيكون أول من يَعزل قيسَ بن سعد، فكلُّ مَنْ وَلَّى أهون علينا من قيس. فَتَحَيَّنوا خَبَرَ عَلِيٍّ، فلما ورد الخبر عليه كان أول مَنْ حَمَلَهُ إليه محمد بن أبي بكر، فأخبره بما صنع قيس، وَرَقدَهُ الأشترُ ونالا من قيس وقالا: ألا استعملتَ رجلًا لهُ جراء (¬٣)، فجعل عَلِيٌّ لا يقبل هذا القول على قيس بن سعد، ويقول: إن قَيْسًا في سَرٍّ وشرف في
---------------
(¬١) الخبر لدى الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٠٨.
(¬٢) قرية وكورة من كور مصر حول الإسكندرية.
(¬٣) في مختصر تاريخ دمشق "حق".

الصفحة 373