كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

يا عبد الله بن سَلَام، أما تعلم أَنِّى رسول الله؟ تجدونى مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل، أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي وأن يتبعنى من أدركنى منكم؟ قال: بلى، قالوا: ما نعلم أنك رسول الله، وكفروا به وهم يعلمون أَنه رسول الله، وأَن ما قال حقّ. فأنزل الله {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سورة الأحقاف: ١٠] يَعنى الكتاب والرسول {وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} يعني عبد الله بن سَلَام {فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة الأحقاف: ١٠] فَفِى ذلك نزلت هذه الآية (¬١).
قال: أخبرنا هَوْذَة بن خَلِيفة، قال: حدّثنا عوف، عن الحسن، قال: لما أراد عبد الله بن سَلَام الإسلامَ دخل على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم قال: أشهد أنك رسول الله بالهدى ودين الحق، وأَنّ اليهودَ يجدونك عندهم في التوراة منعوتًا ثم قال له: أرسل إلى نفرٍ من اليهود إلى فلان وفلان سماهم له واخْبَأنى في بيتك، فَسَلْهُم عنّى وعن والدى، فإنهم سيخبرونك، وإنّى سأخرج عليهم فأشهد أنك رسول الله أرسلك بالهدى ودين الحق لعلهم يُسْلِمُون فَفَعَل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ذلك فَخَبَأَه في بيته، وأرسل إلى النفر الذين أَمَرَهُ بهم فدعاهم، فقال لهم رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مَا عَبْدُ الله بن سَلَام فيكم وما كان والده؟ قالوا: سَيِّدُنا وابن سيدنا، وعَالِمُنا وابنُ عالمنا. قال: فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، : أرأيتم إِنْ أَسْلَم تُسْلِمون؟ قالوا: إنه لَا يُسْلم. قال أرأيتم إن أسلم أَتُسْلِمون؟ قالوا: إنه لَا يُسْلِم. قال: فدعاه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فخرج عليهم، فقال: أشهد أنك رسول الله أرسلك بالهدى ودين الحق. وإنهم ليعلمون منك مثل ما أعلم. فقالت اليهود لعبد الله: ما كُنا نخشاك يا عبد الله على هذا، قال: فخرجوا من عنده وأنزل الله تعالى ذلك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (¬٢).
---------------
(¬١) مختصر ابن منظور ج ١٢ ص ٢٤٩ - ٢٥٠ وما بين حاصرتين منه.
(¬٢) انظره لدى الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٢٠ - ٤٢١.

الصفحة 381