كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

وسلاحى، هو على ما جعلته عليه، عُدّةً في سبيل الله، وقوةً يُغْزَى عليها، وتُعلفُ من مالى، ودارى بالمدينة صَدَقَة: حُبُسٌ لا تباع ولا تُورَّث وقد كنت أشهدتُ عليها عُمَرَ بن الخطاب ليالى قَدِمَ الجَابِيَة وهو كان أَمَرنى أن أتَصدَّق بها، ونِعْمَ العَوْنُ هو على الإسلام. والله يا أبا الدَّرْدَاءِ لئن مات عمر لَتَرَيَنَّ (¬١) أمورًا تُنْكِرها. قال: قال أبو الدَّرْدَاء: وأنا والله أرى ذلك. قال خالد: كنتُ قد وجدتُ عليه في نفسى في أمُورٍ لمَّا تَدَبَّرتها في مرضى هذا وحضرنى من الله حاضرٌ، عرفت أنّ عُمَرَ كان يريدُ اللَّه بكل ما فعل: كنتُ قد وجدتُ فما نفسى حيث بعث إِليَّ مَن يُقَاسِمُنى مالى حتى أخذ فَردَ نَعْلٍ وأخذت فردَ نعل، فرأيته فعل ذلك بغيرى من أهل السَّابِقة وَمَنْ شهد بَدْرًا، وكان يُغلظُ عَلَيَّ، وكانت غلظته على غيرى نحوًا من غِلْظَتِه عَلَيَّ، وكنت أُدِلّ عليه بقرابة، فرأيتُه لَا يُبَالى قريبًا، وَلَا لَوْمَ لَائِمِ في غير الله، فذلك الذي أَذْهبَ ما كنتُ أَجِدُ عليه، وكان يُكَثَّرُ عَلَيَّ عندهُ ومَا كان ذلك مِنِّي إلَّا على النظر، كنتُ في حَرب ومُكَايَدَةٍ، وكنتُ شاهدًا وكان غائِبًا، فكنتُ أُعْطِى على ذلك فَخَالَفَهُ ذلك مِنْ أَمْرِى، وقد جعلتُ وَصِيَّتىِ وَتَرِكَتى وإِنْفَاذَ عَهْدِى إلى عُمر بن الخطاب. قال: فَقُدِمَ بالوصيّة عَلَى عمر، فقبلها وترحم عليه، وأنفذ ما فيها. وتزوج عُمَرُ بعدُ امرأتَهُ (¬٢).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدّثني عمر بن عبد الله بن رَبَاح، عن أبي رباح خالد بن رَبَاح، قال: سمعت ثَعْلَبَة بن أبي مالك يقول: رأيت عمر بن الخطاب بقُبَاء (¬٣) يوم السبت ومعهُ نفرٌ من المهاجرين والأنصار، فإذا أُنَاسٌ من أهل الشام يُصلُّون في مسجد قُبَاء حُجّاجًا فقال: مَن القوم؟ قالوا: من اليمن، قال: أَيَّ مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حِمْص. قال: هل مِن مُغَرِّبَةٍ (¬٤) خَبَر؟ قالوا: موتُ خالد بن الوليد يوم رَحَلْنا من حِمْص. قال فاسترجع عُمَرُ مِرَارًا ونكس، وأكثر التَّرَحّمَ عليه. وقال: كان والله سَدَّادًا لنحورِ العدوّ، ميمون النقيبةِ، فقال له عليّ بن أبي طالب: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟ قال: عَزْلتُه لِبَذْلِه المالَ لأهل الشرف وذوى
---------------
(¬١) في ث: "لَتَرَنَّ" والمثبت لدى ابن عساكر في تاريخه كما في المختصر.
(¬٢) الخبر بطوله لدى ابن عساكر في تاريخه كما في المختصر.
(¬٣) قباء: بالمد ويقصر: قرية على ميلين من المدينة، على يسار القاصد إلى مكة.
(¬٤) أي هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد؟

الصفحة 42