كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

وَترَنا وقَتَل أَشْرَافَنَا وخِيَارَنَا فأَعْطِنيه فأقتُلهُ! فَغضب فرفع يَدَه فضرب بها أَنفِى ضَرْبَةً ظننتُ أنه كسرَهُ، وابتدر مَنْخِراىَ (¬١)، فجعلت أَتَلَقَّى الدَّمَ بثيابى، وأصابنى من الذُّلِّ ما لو انْشَقَّت لي الأرضُ دخلتُ فيها فَرَقًا منه. فقلت له: أيها الملك، لو ظننتُ أنك تكره ما قلتُ ما سألتكه، قال: فاستحيا وقال: يا عَمرو، تسألنى أَن أُعطيك رَسولَ رسولِ الله، - صلى الله عليه وسلم - مَن يأتيه الناموسُ الأكبر الذي كان يأتى موسى، والذى كان يأتى عيسى بن مريم - لِتَقْتُلَه؟ !
قال عمرو، وغَيَّر الله قلبى عَمّا كنت عليه، وقلتُ في نفسى: عَرَفَ هذا الحقَّ العَربُ والعجمُ وتُخالفُ أَنت؟ ! قلت: وتشهد أيها الملك بهذا؟ قال: نعم. أشهد به عند الله يا عمرو، فأَطِعنى وَاتَّبِعْه، والله إنه لَعَلَى الحَقّ وليظهرنَّ على كل من خَالَفَه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قلت: أفتبايعنى له على الإسلام؟ قال: نعم: فبسط يده فبايعتُه على الإسلام، ودعا لي بطَستٍ فغسل عَنِّي الدمَ وكسانى ثياباًّ، وكانت ثيابي قد امتلأت من الدم فأَلقيتُها، تم خرجت إلى أصحابى فلما رأوا كُسوة الملك سُرُّوا بذلك وقالوا: هل أدركتَ من صاحبك ما أردتَ؟ فقلتُ لهم: كرهتُ أن أكلمهُ في أَوّلِ مَرّةٍ وقلت أعود إليه. قالوا: الرأْىُ ما رأيتَ! وفارقتُهم وكأنّى أَعْمِدُ لحاجة فعمِدتُ إلى موضع السُّفُن فوجدت سفينة قد شُحِنَتْ تَدْفَع (¬٢)، فركبتُ معهم ودفعوها من ساعتهم حتى أنتهوا إلى الشُّعَيبَةِ فخرجت بها ومعى نفقةٌ (¬٣). فاتبعتُ بعيرًا وخرجتُ أريدُ المدينة حتى أتيت على مَرِّ الظَّهْران. تم مضيتُ حتى إذا كنستُ بالهَدَّة، إذا رجلان قد سبقانى بغير كبير يُريدان منزلًا، وأحدهما داخلٌ في خيمةٍ، والآخر قائمٌ يُمسكُ الراحلتين، فنظرت فإذا خالد بن الوليد. فقلت: أبا سليمان؟ ! قال: نعم. قلت! أين تريد؟ قال: محمدًا، دَخَلَ الناسُ في الإسلام فلم يبقَ أحدٌ به طُعمٌ (¬٤) والله لو أَقَمنا
---------------
(¬١) ولدى الواقدى الذي ينقل عنه المصنف "منخارى".
(¬٢) وكذا لدى ابن كثير وهو ينقل عن الواقدى. وورد أسدى الواقدى في المغازي "برُقَعٍ".
(¬٣) ولدى الواقدى "وخرجت من الشعيبة ومعى نفقة".
(¬٤) وكذا لدى ابن كثير وهو ينقل عن الواقدى. وورد لدى الواقدى في المغازي "طَمَعٌ".

الصفحة 49