كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

قال: فسمع صوتَه فأَذِنَ له قبلى فدخل هو وأصحابه، قال: ثم أذِنَ لي، فدخلتُ، فإذا هو جالس، قال: فذكر أين كان مقعدُه من السرير، قال: فلما رأيتُه جئتُ حتى قعدتُ بين يَدَيْه، وجعلتُه خَلْفَ ظَهرِى، وأَقْعَدْتُ بين كل رجلين من أصحابه رجلًا من أصحابى.
قال: قال النجاشي: نَخِّرُوا (¬١)، قال عُمَيْر: أي تكلموا. قال: فقال عمرو: فقلتُ إن ابنَ عمِّ هذا بأرضنا، وإنه يَزْعُم أنه ليس للناس إلا إله واحدٌ وإنك إن لم تقتلهُ وأصحابَه لا أقطعُ هذه النُّطفَةَ إليك أبدًا أنا وَلَا أحدٌ من أصحابى، قال فَتَشَهَّدَ. قال: فإنّ أول ما سمعتُ التَّشَهُّدَ يومئذ: فقال: صدق هو ابنُ عمِّى وأنا على دينه. قال: فصاح صِيَاحًا وقال: أَوَّه، حتى قلتُ: ما لابن الحبشيَةِ لا يتكلم! فقال: أَنَامُوسٌ مثل نَامُوسِ موسى؟ ما يقول في عيسى بن مريم؟ قال يقول: هو رُوحُ الله وكلمته. قال: فتناول شيئًا من الأرض وقال: ما أخطأ مِنْ أَمْرِه مثلَ هذه، وقال: لولا مُلْكِى لاتَّبَعْتُكم، وقال لي: ما كنتُ أبالى أَنْ لَا تَأْتِيَنىِ أنت ولا أحدٌ من أصحابك أبدًا. وقال لجعفر: اذْهَبْ فأنت آمِنٌ بأرضى، فَمَنْ ضربك قَتَلْتُه، ومَنْ سَبَّك غَرَّمتهُ. وقال لآذِنِهِ: مَتى ما أتاك هذا يَسْتَأذِن عَلَيَّ فأذن له إلا أن أكون عند أَهْلى، فإن كنت عند أهلى فأَخْبِره، فإن أَبَى فَأْذن له.
قال: وتفرقنا، فلم يكن أحد أحبّ إلى أن أكون قد لقيته خاليًا من جعفر، قال: فاستقبلنى في طريقٍ مَرّةً فنظرتُ خلفهُ فلم أرَ أحدًا، ونظرتُ خلفى فلم أرَ أحدًا. قال: فَدَنوتُ منه فأخذتُ بيدهِ فقلتُ: تعلم أنى أشهد أن لا إله إلا الله وَأن محمدًا عبدُه ورسوله قال: فقال: هداك الله فاثبتْ، قال: فتركنى وذهب قال: فأتيت أصحابى فكأنما شهدوه معي، قال: فأخذونى فألقَوا عَلَيَّ قَطِيفةً: ثوبًا قال: فجعلوا يَغُمّونَنى (¬٢) وجعلت أُخْرِج رأسى مَرّة من هذه الناحية، ومَرّةً من هذه
---------------
(¬١) نخروا: تحرف في الأصل إلى "نجزوا" وصوابه عن الذهبي في سير أعلام النبلاء. ولدى ابن الأثير في النهاية (نخر): وفى حديث النجاشى "لمّا دخل عليه عَمْرو والوفد معه، قال لهم: نَخروا، أي تكلموا. كذا فُسِّر في الحديث. ولعله إن كان عربيا مأخوذ من النخير: الصوت هذا بالهامش في النهاية هنا "أفاد في الدر النثير أنه بالحبشة. قال: ومعناه: تكلموا".
(¬٢) أي: يغطونى، ويحبسون نفسى من الخروج.

الصفحة 52