كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

عبد الله بن جُبير بن النعمان الأنصاري، فلما بعث أهلُ مكةَ في فداء أُساراهم، قدم فِي فِدَى أبى العاص أخوه عمرو بن الربيع، وبَعَثَت معه زينب بنت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وهي يومئذٍ بمكةَ بقلادةٍ لها كانت لخديجةَ بنتِ خويلدٍ من جَزْعِ ظَفار (¬١) وظفارُ جبل باليمن - وكانت خديجة بنت خويلد أدخلتها بتلك القلادةِ على أبى العاص بن الربيِع حين بَنَى بها، فبعثت بها في فداءِ زوجها أبى العاص، فلما رأى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، القلادةَ عرفها، وَرَقَّ لها، وذَكرَ خديجةَ وترحم عليها. وقال: إن رأيتم أن تُطْلِقوا لها أسيرها وتَرُدُّوا عليها متَاعَها فعلتُم. قالوا: نعم يا رسول، الله، فأطلقوا أبا العاص بن الربيع، ورَدُّوا على زينب قِلَادتها. وأخذ النبي، - صلى الله عليه وسلم -، على أبى العاص أن يُخلّى سبيلها إليه، فوعدَهُ ذلك ففعل.
قال محمد بن عمر: هذا أثبتُ عندنا من رواية من روى أن زينب هاجرت مع أبيها، - صلى الله عليه وسلم -.
قال: أخبرنا محمد بن عمر (¬٢)، قال: حدثنى موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارت التيمى، عن أبيه، قال: خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عِيرٍ لقريش، وبلغ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أن تلك العيرَ قد أقبلت من الشام، فَبَعَثَ زَيْدَ بن حارثة في سبعين ومائة راكب، فلقوا العيرَ بناحية العِيص في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة، فأخذوها وما فيها من الأثقال، وأسروا ناسًا ممّن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع فلم يَغْدُ أن جاء المدينة، فدخل على زينب بنت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، سَحَرًا، وهي أمرأتهُ، فاستجارها فأجارتهُ، فلما صلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، الفجر قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها: إنى قد أجرتُ أبا العاص بن الربيع! فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس، هل سمعتُم ما سمعتُ؟ قالوا: نعم. قال: فوالذى نفسى بيده، ما علمتُ بشئٍ مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يدٌ واحدةٌ على مَن سِواهم، يُجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا مَن أَجارت فلما، أنصرف النبي، - صلى الله عليه وسلم -، إلى منزلهِ دخلت عليه زينبُ فسألته أن يردّ عَلى أبى العاص ما أُخِذَ منهُ، ففعل وأمرها أَلَّا يقربها،
---------------
(¬١) ظفار: من قرب صنعاء إليه ينسب الجزع (القاموس).
(¬٢) المغازي ص ٥٥٣ - ٥٥٤

الصفحة 6