المدينة، فنظرتُ إلى عُيَيْنَة مَجْمُوعَة يداه إلى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ يَنْخُسُه غلمانُ المدينة بالجَرِيد ويضربونه ويقولون: أي عَدّو الله أكفرتَ بالله بعد إيمانك؟ ! فيقول: والله ما كنتُ آمنتُ بالله. قال: وأُتِيَ بِقُرَّةَ بن هُبَيْرة فقال: يا خَلِيفةَ رسول الله! والله ما كفرتُ. واسأل عَمْرَو بن العاص فإِنّ لي عنده شهادة ليالى أَقْبلَ من عُمان خرجتُ في مائة من قومى خُفَرَاءَ له، وقَبل ذلك ما أكرمت مَنزلَهُ وَنَحَرْتُ له! فسأل أبو بكر عَمْرًا فقال: نزلتُ به فَلَمْ أرَ لضَيْفٍ خيرًا منه! لَمْ يَتَّرِكْ، وخرج معي في قومه خَفِيرًا. ثم ذكر عمرو ما قال قُرَّة. فقال قُرَّة: أنْزَع يا عَمْرو، فقال عمرو: لو نَزَعتَ نَزَعتُ، فلم يعاقبه أبو بكر بذلك وعفا عنه، وكتب له أمانًا، وقَبِلَ من عُيَيْنَةَ وكتب لهُ أمانًا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنى عبد الله بن وَابِصَة العَبْسيّ، عن أبيه، عن جَده، قال: كنا مع خالد بن الوليد في الرِّدَّة أعوانًا له، ثم رجع إلى المدينة ومعه العرب رجعت العرب إلى أوطانها، ورجعت عَبْس وطَيِّئ ومن كان معه من أسَدٍ إلى منازلهما حتى جاءهم النفير إلى الشام، فقدموا المديمة، فجعل أبو بكر يُفَرِّقُ الجيوشَ على وُلَاتِه وهم ثلاثةٌ: عَمْروُ بن العاص، وَشُرَحْبِيل بن حَسَنَةَ، ويَزِيد بن أَبِي سُفْيان. فخرجوا معهم إلى الشام.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الجبار بن عمارة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عَمْرو بن حَزْم، قال: لَمّا أَجْمَعَ أبو بكر عَلَى أَنْ يبعثَ الجيوشَ إلى الشام كان أول مَن سَارَ مِنْ عُمّاله عَمْرو بن العاص، وأمرهُ أن يسلك على أَيْلةَ عامدًا لفِلَسْطِين، فَقَدّم عمرو أمامه مُقَدِّمةً عليهم سعيد بن الحارث السَّهْمِيُّ، ودفع لواءهُ إلى الحجّاج بن الحارث السَّهمى، وكان جُنْدُ عمرو الذين خرجوا معه من المدينة ثلاثة آلاف، فيهم ناسٌ كثير من المهاجرين والأنصار، وخرج أبو بكر الصّديق يمشى إلى جَنبِ رَاحِلة عَمْرو بن العاص وهو يوصيه ويقول: يا عَمرو، اتق الله في سِرِّ أمرك وعَلَانِيَتِهِ، واستحييه فإنه يراك وَيَرَى عَمَلك، وقد رأيتَ تَقْدِيمى إياك على مَن هو أقدم سَابقَةً منك ومَن كان أغنى عن الإسلام وأهله منك، فكن من عُمّال الآخرة، وأَرِدْ بما تفعل وَجْهَ الله وكُنْ وَالِدًا لمن معك، ولا تكْشِفَنَّ الناسَ عن أستارهم، واكتَفِ بعلانيتهم، وكُنْ مُجِدًّا في