كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

عُمَرُ: إياك أَنْ يَقدم عليك أحدٌ من أهل بيتي فَتحبُوهُ (¬١) بأمرٍ لا تصنعهُ بغيره، فَأَفعلُ بِكَ ما أنت أهله، فأنا لا أستطيع أن أهْدِى لهما، ولا آتيهما في منزلهما للخوف من أبيهما، فوالله إنى لَعَلَى ما أنا عليه إلى أن قال قائِلٌ: هذا عبد الرحمن بن عمر، وْأَبو سِرْوَعَةَ على الباب يستأذنان، فقلت: يدخلان، فدخلا وهم مُنْكَسِرَان، فقالا: أقم علينا حَدَّ الله، فإنّا قد أصَبنا البارحة شرابًا، فسكِرنا. قال: فَزَبَرْتُهما (¬٢) وطَرَدْتُهما، فقال عبد الرحمن: إن لَمْ تفعلْ أخبرتُ أَبِى إِذا قَدِمت عليه، قال: فحضرنى رأى (¬٣) وعلمت أنى إن لم أقم عليهما الحدَّ غضبَ عليَّ عمر في ذلك وعزلنى، وخالفه ما صنعت. فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله بنِ عمر، فقمتُ إليه، فرحبتُ به، وأردتُ أن أجلسه على صدر مجلسى، فَأبَى عَلَيَّ وقال: إن أبي نهانى أن أدخل عليك إِلَّا أَلَّا أجِد بدّا، فإنى لم أجد بدًّا من الدخول عليك، إن أخى لا يُحلَقُ على رءوس الناس أبدًا، فأمّا الضرب فاصنع مَا بَدَا لَك. قال: وكانوا يحلقُونَ مع الحدِّ - قال: قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه عبد الرحمن إلى بيتٍ مِن (¬٤) الدار، فحلق رأسه ورأس أبي سِرْوَعَةَ. فوالله ما كتبت إلى عمر بحرفٍ مما كان، حتى إذا تَحينتُ كتابهُ إذا هو يَطِمُّ (¬٥) فيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: من عبد الله عُمَرَ أميرِ المؤمنين إلى العاصى بن العاصى، فَعجبتُ لك يابن العاصى ولجرءتك عَلَيَّ! وخلاف عهدِى، أما إِنّى قد خالفت فيك أصحاب بَدْرٍ ممن هو خيرٌ منك واخترتك لجرأتك عنِّى، وإنفاذ عهدى، فأراك تَلَوَّثْت بما قد تلوثت، فما أُرانى إلا عَازِلُكَ فَمُسِئٌ عَزْلَك، تَضْرِبُ عبدَ الرحمن بن عمر في بيتك وتَحلق رأسَه في بيتك، وقد عرفتَ أن هذا يخالفنى؟ ! إِنَّما عبدُ الرحمن رجل مِن رَعِيَّتكِ تصنع ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلتَ: هو ولدُ أميرِ المؤمنين، وقد عرفتَ أن لا هوادةَ لأحدٍ من
---------------
(¬١) حبا الرجل حبوا: أعطاه. أراد أن يخصه لشئ من الإكرام لا يصنعه بغيره.
(¬٢) زبره عن الأمر: نهاه وزجره.
(¬٣) في ث "رأى" والمثبت لدى ابن عساكر وهو ينقل عن ابن سعد.
(¬٤) ابن عساكر "في".
(¬٥) ابن عساكر "نظم".

الصفحة 72