فإنّى أخشى أن يكَونَ أعطاكَ أمرًا خاليًا ثمّ ينزع عنه على ملأٍ من الناس واجتماعهم. فقال الأشعريّ: لا تَخْشَ ذلك، قد اجتمعنا واصطلحنا.
فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس قد نظرنا في أَمْر هذه الأمّة فلم نَرَ شيئًا هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشَعَثِها من أن لا نَبْتَزّ أمورها ولا نعصبها (¬١) حتى يكون ذلك عن رضًى منها وتشاوُرٍ، وقد اجتمعتُ أنا وصاحبى على أمر واحدٍ، على خلع عليّ ومعاوية وتَسْتَقْبلُ هذه الأمّة هذا الأمرَ فيكون شُورَى بينهم يُوَلّونَ منهم من أحبّوا عليهم، وإنى قد خلعتُ عليًّا ومعاويةَ فوَلّوا أمْركم مَن رأيتم: ثمّ تنحّى.
فأقبل عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثقال: إنّ هذا قد قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وإنى أخلع صاحبه كما خلعه وأثبِتُ صاحبى معاويةَ فإنه وليّ ابن عفّان والطالب بدمه وأحقّ الناس بمقامه.
فقال سعد بن أبي وقّاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكائده! فقال أبو موسى: فما أصنع؟ جامعنى على أمرٍ ثمّ نزع عنه، فقال ابن عبّاس: لا ذَنْبَ لك يا أبا موسى، الذنب لغيرك، للذي قدّمَك في هذا المقام، فقال أبو موسى: رحمك الله غدرنى (¬٢) فما أصنع؟
وقال أبو موسى لعمرو: إنّما مَثَلُكَ كالكَلْبِ {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [سورة الأعراف: ١٧٦] فقال له عمرو؟ إنما مَثَلُكَ مَثَلُ {الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [سورة الجمعة: ٥] فقال ابن عمر: إِلَامَ صُيّرَتْ هذه الأمّة؟ إلى رجل لا يُبَالى ما صنع وآخَرَ ضعيفٍ، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعريّ من قبل هذا كان خيرًا له *).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزّهْرِيّ، قال: كان عَمْرو يقول لمعاوية حين خرجت الخوارج عَلَى عَلِيٍّ: كيف
---------------
(¬١) كذا في ل، وهو يوافق ما لدى ابن عساكر كما في المختصر وفى ث" من أن لا تُبْتَزّ أمورها ولا تُغْصبُه".
(¬٢) كذا في ل، وهو يوافق ما لدى ابن عساكر كما في المختصر وفى ث "غدر بي".