كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 5)

قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فَرْوَةَ، عن عبد الله بن عَمْرو بن سعيد بن العاص، قال: كان خالد بن سعيد وعَمرُو بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى أرض الحبشة، وأقام غيرهما من ولد أبى أُحَيْحَةَ سعيد بن العاص بن أمية على ما هم عليه ولم يُسْلِموا، حتى كان نَفِيرُ بدرٍ، فلم يتخلف منهم أَحَدٌ خرجوا جميعًا في النفير إلى بَدْرٍ، فَقُتِل العاصُ بن سعيد عَلَى كُفْرِه، قتله عليّ بن أبي طالب. وعُبَيْدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام. وأفلت أبان بن سعيد، فجعل خالد وعَمْرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان: نُذكِركَ الله أن تموت على ما مات عليه أبوك، وعَلَى ما قُتِل عليه أخواك، فيغضب من ذلك ويقول: لا أُفارِق دين آبائى أبدًا، وكان أبو أُحَيْحَة قد مات بماله بالظُّرَيْبَةَ نَحْو الطَّائف وهو كافر، فأنشأ أبان بن سعيد يقول: قال محمد بن عمر: فيما أخبرني به المغيرة بن عبد الرحمن الأسدى:
ألا ليتَ مَيْتا بالظُّرَيْبَةِ شاهدٌ ... لما يَفْتَرِى في الدين عَمْرٌو وخالدُ
أَطَاعا بنا أَمْر النِّساء فأَصْبَحا ... يُعِينان مِنْ أعدائنا مَن نُكايدُ
فأجابه خالد بن سعيد:
أخى ما أخى لا شاتم أنا عِرْضَهُ ... ولا هو عن سُوءِ المقالة مُقْصِرُ
يقول إذا اشتدت عليه أمورُهُ ... ألا ليتَ مَيْتًا بالظُّرَيْبةِ يُنْشَرُ
فَدَعْ عنكَ مَيْتًا قد مضى لسبيله ... وأقْبِل على الحَيِّ الذي هو أفقرُ (¬١)
قال: فأقام أبان بن سعيد على ما كان عليه بمكةَ على دين الشرك، حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الحُدَيْبِية وبعث عثمانَ بنَ عفان إلى أهل مكة، فتلقَّاه أبان بن سعيد فأجاره حتى بلّغ رسالةَ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وكانت هدنة الحديبية. فأقبل خالدٌ وعمرٌو ابنا سعيد بن العاص من أرض الحبشه في السَّفِينَتَينْ، وكانا آخر من خرج منها، ومع خالد وعَمْرو أهلُهما وأولادُهما، فلما كانا بالشُّعَيْبَة أرسلا إلى أخيهما أبان بن سعيد وهو بمكة رسولًا وكَتَبا إليه: يدعوانه إلى الله وحدَهُ وإلى
---------------
(¬١) الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٣٦٠، وتاريخ ابن عساكر: مختصر ابن منظور ج ٣ ص ٣٣٦.

الصفحة 9