كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 6)

محمد إلا ما يسوءها قد رَضِيَت أن دَافَعَتْه بالرَّاح. ولما قدم رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، في عُمْرة القَضية، وخَرَجَت قريش عن مكة، كنتُ فيمن تخلّف بمكة أنا وَسُهَيْل بن عَمْرو لأن يخرج رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، إذا مَضَى الوقتُ، وهو ثلاث، فلما انقَضَت الثلاث، أقبلتُ أنا وسُهَيْل بن عَفرو فقلت: قد مضى شرطك فاخرُج من بَلَدِنا فصاح: يا بِلال لَا تَغِيب الشمس وأحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا (¬١).
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه قال: وحدّثنى أبو بكر بن عبد الله بن أَبِى سَبْرَة عن موسى بن عُقْبة عن المُنْذِر بن جَهْم قالا: قال حُوَيْطِب بن عبد العُزَّى: لما دخل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مكة عام الفتح خِفْتُ خوفًا شديدًا فخرجت من بيتى، وَفرَّقتُ عيالى في مواضع يأمنون فيها، ثم انتهيتُ إلى حائطِ عَوْف، فكنتُ فيه، فإذا أنا بألى ذَر الغِفاريّ، وكان بيني وبينه خُلَّة، والخُلَّة أبدًا نافعة، فلما رأيتُه هَرَبت منه، فقال: يا أبا محمد، قلتُ: لَبَّيْك، قال: مَا لَكَ؟ قلتُ: الخَوْفَ، قال: لَا خَوْفَ عليك، تعَالَ أنت آمِن بأَمَان الله فرجعت إليه، وسلّمتُ عليه. فقال لي: اذهَبْ إلى منزلك. قال: فقلتُ: وهل لي سبلى إلي منزلى، والله ما أرانى أصل إلى بيتي حيًا حتى أُلقى فأُقتل، أو يُدخل عَلَيَّ منزلى فأقْتَل، وإن عيالى لفى مَواضِعَ شَتّى. قال: فاجْمَعْ عيالك معك في موضع، وأنا أَبلغُ معك منزلك. فبلغ معي وجعل ينادى على بابى: إن حُوَيْطًا آمِن فلا يُهَجْ.
ثم انصرف أبو ذَر إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره فقال: أوَليس قد أَمَّنَّا الناسَ كُلَّهم إلا من أمرتُ بقتله؟ ! قال: فاطمأننتُ، ورددتُ عيالى إلى مواضعهم، وعاد إليَّ أبو ذَر فقال: يا أبا محمد حتى متى وإلى متى، قد سُبِقْتَ في المواطن كلِّها، وفاتك خيرٌ كثير، وبقى خير كثير، فَأتِ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فأسْلِم تَسْلَم، ورسولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، أَبَرُّ الناس، وأوصل الناس، وأحلم الناس، شَرَفُه شَرَفُك وعِزُّه عِزُّك. قال: قلتُ: فأنا أخْرُج معك فآتيه.
قال: فخرجت معه حتى أتيت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بالبَطْحَاء، وعنده أبو بكر
---------------
(¬١) الخبر بطوله لدى ابن عساكر ج ٧ ص ٢٩٠، والمزى ج ٧ ص ٤٦٨، والخبر فيهما بسنده ونصه كما هنا. وما بين الحاصرتين منهما.

الصفحة 128