قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا موسى بن يعقوب، عن عَمّه أبى الحارث بن عبد الله (¬١) بن وهب بن زَمْعة، قال:
وأخبرنا شرحبيل بن أبى عون وعبد الله بن جعفر، عن أبى عون، قال: وأخبرنا إبراهيم بن موسى، عن عكرمة بن خالد، قال:
وأخبرنا أبو صفوان العَطّاف بن خالد، عن أخيه، قالوا: لما ارتحل الحصين بن نمير من مكة لخمس ليالٍ خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، أمر عبد الله بن الزبير بتلك الخِصَاص (¬٢) التى كانت حول الكعبة فهدمت، فبدت الكعبة، وأمر بالمسجد فكنس ما فيه من الحجارة والدماء، فإذا الكعبة تَنْغَض (¬٣) مُتَوَهِّنَةً من أعلاها إلى أسفلها، فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق، وإذا الركن قد اسودّ واحترق من الحريق الذى كان حول الكعبة، فشاور ابن الزبير الناس فى هدمها وبنائها، فأشار عليه جابر بن عبد الله بن عمير وغيرهما بأن يهدمها ويبنيها، وأبى ذلك عليه عبد الله بن عباس وقال: أخشى أن يأتى مَنْ بَعدك فيهدمها فلا تزال تهدم، فيتهاون الناس بحرمتها فلا أحب لك.
وكان قد شَاوَرَ المِسْورَ بن مَخْرَمَة قبل أن يموت فى هدمها، فأشار عليه بذلك، فمكث أيامًا يشاور فى هدمها، ثم انبرى له أن يهدمها.
فغدا عليها بالفَعَلة يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين، فهدمها حتى وضعها كلها بالأرض، ثم حفر الأساس فوُجِدَ واصلًا بالحِجْر مُشَبِّكًا كأصابع يدَيّ هاتين، فدعا خمسين رجلًا من قريش، وأشهدهم على ذلك، وجعل الحَجَر عنده فى تابوت فى سَرقة من حرير، ثم بنى البيت وأدخل الحِجر فيه، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض، باب يُدخل منه، وباب يُخرج منه
---------------
(¬١) عمه أبى الحارث بن عبد الله: تحرف فى المطبوع إلى "عمه ابن أبى الحارث عبد الله" وصوابه من التاريخ الكبير للبخارى ج ٨ ص ٣٤٦، وتهذيب الكمال ج ٢٩ ص ١٧٢ وهو: يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة".
(¬٢) الخِصاص: الفُرَج والأنقاب.
(¬٣) لدى ابن الأثير فى النهاية (نغض) وفى حديث ابن الزبير "إن الكعبة لما احترقت نَغَضَت" أى تحركت ووَهَت.