بصيرتى، فانظرى يا أمه، فإنى مقتول من يومى هذا، لا يشتد جزعكِ عَليّ، سلمى لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر وَلَا عَمِلَ بفاحشةٍ، ولَمْ يَجُرْ في حُكْم، ولم يَغْدِر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغنى عن عمالى [ظلم] فرضِيتُه بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندى من رضا ربى، اللهم إنى لا أقول هذا تزكية منى لنفسى، أنت أعلم لى، ولكنى أقوله تعزية لأمى لتسلو به عنى (¬١).
فقالت له أمه: إنى لأرجو أن يكون عزائى فيك حسنًا إن تقدمتنى. وإن تقدمتك، ففى نفسى حَوْجا (¬٢) حتّى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك. قال: جزاك الله يا أمه خيرًا، فلا تدعى الدعاء لى بعد قتلى. قالت: لا أدعه، لست بتاركة ذلك أبدًا، فمن قُتِلَ على باطل فقد قُتِلتَ على حق. وخرج، وقالت أمه: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكّة، وَبِرّهُ بأبيه وبى، اللهم إنى سلمت فيه لأمرك، ورضيت فيه بما قضيت، فأثبنى في عبد الله ثواب الصابرين والشاكرين (¬٣).
قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَثَّنَا صالح بن الوليد الرياحى، قال: أخبرتنى جدتى رَيْطة بنت عبد الله الرياحية، قالت: كنت عند أسماء إذ جاء ابنها عبد الله فقال: إن هذا الرجل قد نزل بنا، وهو رجل من ثقيف يسمى الحجاج في أربعين ألفًا من أهل الشام، وقد نالنا نبلُهم ونُشّابُهم، وقد أرسل إليَّ يخيّرنى بين ثلاث؛ بين أن أهرب في الأرض فأذهب حيث شئت، وبين أن أضع يدى في يده فيبعث لى إلى الشام مُوْقَرًا حديدًا، وبين أن أُقَاتِلَ حتّى أُقْتَلَ، قالت: أى بُنى: عِشْ كريمًا، ومِتْ كريمًا، فإنى سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنّ من ثقيف مُبيرًا وكَذابًا. قالت: فذهب فاستند إلى الكعبة حتّى قُتل (¬٤).
---------------
(¬١) الطبري ج ٦ ص ١٨٨ - ١٨٩ وما بين حاصرتين منه وهو ينقل عن ابن سعد. وابن الأثير في الكامل ج ٤ ص ٣٥٣ وما بين حاصرتين فيه كذلك.
(¬٢) أى حاجة.
(¬٣) الطبري ج ٦ ص ١٨٨ - ١٨٩، وابن الأثير في الكامل ج ٤ ص ٣٥٣
(¬٤) أورده ابن عساكر ص ٤٨٢ نقلًا عن ابن سعد.