قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال: حَدَثَّنَا إسحق بن عبيد الله، عن المنذر بن جهم الأسلمى، فال: رأيتُ ابن الزبير يوم قُتل، وقد خَذَلَه مَنْ معه خُذْلانًا شديدًا، وجعلوا يَخْرجون إلى الحَجاج، وجعل الحَجاج يصيح: أيّها النَّاس علامَ تقتلون أنفسكم؟ مَن خرج إلينا فهو آمن، لَكُمْ عَهْدُ الله وميثاقه، وفى حَرَم الله وأمنه، وربّ هذه البَنِيّة لا أغدرُ بكم، ولا حاجةَ لنا في دمائكم. قال: فجعل النَّاس يتسللون حتّى خَرج إلى الحجّاج من أصحاب ابن الزبير نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيته وما معه أحد. (¬١)
قال: أخبرنا محمّد بن عمر، قال: حَدَثَّنَا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: سمعت ابن الزبير يقول لأصحابه: انظروا كيف تضربون بسيوفكم، ولْيَصُن الرجلُ سيفَه كما يصونُ وجهه، فإنه قبيحٌ بالرجل أن يخطئ مضرب سيفه. فكنت أرمقه إذا ضرب، فما يخطئ مضربًا واحدًا شبرًا من ذُبَاب السيف أو نحوه، ولقد رأيته ضرب رجلًا من أهل الشام ضربة أبدى سَحْرَهُ (¬٢) وهو يقول: خذها وأنا ابن الحَوَارِى، فلمّا كان يوم الثلاثاء، قام بين الركن والمقام، فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام يا أهل الشام: الله الله في طاعة إمَامِكم، فَلَيَشُدُّون الشَّدّة الواحدة جميعًا حتى يقال: قد اشتملوا عليه، فيشدَّ عليهم حتّى يَفْرُجُهم ويبلغ بهم باب بنى شَيبَةَ، ثم يَكِرّ وَيَكِرّون عليه، ليس معه أعوان، فعل ذلك مرارًا، حتّى جاء حَجَرٌ عائر، مِنْ ورائه فأصابه، فوقع في قَفَاه فَوَقذه، فارتعش ساعة، ثمّ وقعَ لوجهه، ثمّ انتفى فلم يَقْدِر على القيام، وابتدره النَّاس، وشَدّ عليه رجلٌ من أهل الشام، وقد ارتعشَ ابن الزبير فهو متكِئ على مِرْفَقِهِ الأيسر، فضرَبَ الرّجُلَ فقَطَعَ رجليه بالسيف، وجعلِ يضربه ولا يقدر ينهض حتّى كثُروه فَذَفَّفوا (¬٣) عليه ولقد كان يقاتل، وإنه لمطروح يَخْذِمُ (¬٤)
---------------
(¬١) أورده الذهبى في سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٧٧، وفى تاريخ الإسلام ص ٤٤٥ وفيات سنة ٧٣ هـ من طريق الواقدى.
(¬٢) السَّحْر: الرئة، وقيل السحر ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن.
(¬٣) أى أجهزوا عليه.
(¬٤) الحذم: القطع السريع.