كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 6)

ما ابتعتُها إلا بِزِقٍّ من خَمْر، ولقد وصلتُ الرَّحِمَ، وحملتُ الكَلَّ، وأعطيتُ في السبيل. وكان حَكِيم بن حِزام يشترى الظَّهْرَ (¬١) والأَدَاة والزاد، ثم لا يَجِيئُهُ (¬٢) أحد يَسْتَحمله في السبيل إلا حمله. قال: فبينا هم يومًا في المسجد جلوسًا إذ دَخل رجل من أهل اليمن يطب حُمْلَانًا يريد الجهاد، قال: فَدُلَّ عَلَى حَكِيم بن حِزَام فجلس إليه فقال: إنى رجل بَعِيد الشُّقّة، وقد أردتُ الجهاد فَدُلِلْتُ عليك لِتَحْمِلَ رُجْلَتِى (¬٣) وتعيننى على ضعفى. قال: اجلس، فلما أمكنته الشمس وارتفعت ركع ركعات ثم انصرف، وأومأ إلى اليمانى. قال: فتبعته فجعل كلما مرّ بِصُوفَة أو خِرْقَة أو شملة نَفَضَها وأخذها، فقلت: والله ما زاد الذي دلنى على هذا أَنْ لَعِب بِي، أيّ شئ عند هذا من الخير بَعْدَ ما أرى (¬٤)؟ !
قال: فدخل داره فألقى الصوفة مع الصوف، والخِرْقة مع الخِرَق، والشَّمْلَة مع الشِّمال، ثم قال لغلام له: هات بعيرًا ذَلُولًا مُوَقَّعًا. قال: فأتى به ذلولًا موقعًا سنتين، ثم دعا بجَهاز فشده على البعير، ثم دعا بخِطام فَخُطِم، ثم قال: هَلُمّ جُوَالَقين (¬٥)، قال: فأُتِى بجوالقين، فَأَمَر فَجُعِل فيهما دقيق وسُوَيْق وعُكَّة من زيت، وقال انظر: ملحًا وجرابًا مِن تمر. حتى إذا لم يبق شئ مما يحتاج إليه مسافر إلا هيأه، أعطانيه وكسانى، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إليّ فقال: هذه للطريق، قال: فخرجت من عنده وكان هذا فعلَ حَكِيم بن حِزام (¬٦).
وكان معاوية عام حَجَّ مَرّ به، وهو ابن مائة وعشرين سنة، فأرسل إليه بلَقُوح يَشْرَب من لَبَنِها، وذلك بعد أن سأله أَيَّ الطعام تأكل؟ فقال: أمّا مَضْغٌ فلا مَضْغَ فِيّ. فأرسل إليه باللقوح، وأرسل إليه بِصِلَةٍ فأبى أن يقبلها وقال: لم آخذ من أحد
---------------
(¬١) الإبل التي يُحمل عليها وتركب.
(¬٢) كذا في الأصل ومثله في الجمهرة ص ٣٦٩، والمزى ج ٧ ص ١٧٦، ومختصر ابن عساكر ج ٧ ص ٢٣٦، وقرأها محقق ط "يجيبه". وهو تحريف.
(¬٣) كذا في الأصل ومثله في الجمهرة وتهذيب المزى، وقرأها محقق ط "رجلى" وهو تحريف. والرجلة: المشْى راجلا، لأنه لا دابة له.
(¬٤) الخبر لدى الزبير بن بكارص ٣٦٩، والمزى ج ٧ ص ١٧٦، ١٧٧.
(¬٥) الجوالق: وعاء يكون فيه الطعام.
(¬٦) الخبر لدى الزبير بن بكار في الجمهرة ص ٣٦٩، ٣٧٠، والمزى ج ٧ ص ١٧٧.

الصفحة 55