كنتُ فيمن عاداه ونصب له وآذاه، ولا تسير قريش مسيرًا لعداوة محمد وقتاله إلا كنتُ معهم، وكنت مع ذلك قَدْ وَتَرَنى محمدٌ، قَتَلَ أَخَوَيَّ: زَمْعة وعقيلًا ابنى الأسود، وابن أخى الحارث بن زمعة يوم بدر، فكنت أقول: لو أسلَمَتْ قريشٌ كلها لم أُسْلم. وكان رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بعث إلى زينب ابنته مَن يقدم بها من مكة، فَعَرَضَ لها نَفَرٌ من قريش فيهم هَبّار، فَنَخَس بها وقَرَعَ ظَهرها بالرُّمح، وكانت حاملًا فأسقطت، فردت إلى بيوت بنى عبد مناف، فكان هبَّار بن الأسود عظيم الجرْم في الإسلام، فأهدرَ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، دمه، فكان كلما بعث سرية أوصاهم بهبَّار قال: إنْ ظفرتم به فاجعلوه بين حُزْمتين من حطب وَحَرِّقُوه بالنار.
ثم يقول بعد: إنما يعذِّب بالنار رب النار، إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورِجليه ثم اقتلوه (¬١).
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني واقد بن أبي ياسر عن يزيد بن رُومان قال: قال الزُّبير بن العوام: ما رأيتُ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ذكر هَبَّارًا قَطُّ إلا تغيَّظ عليه، ولا رأيتُ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بعث سَرِيَّةً قَطُّ إلا قال: إن ظفرتم بِهَبَّار فاقطعوا يديه ورِجليه ثم اضربوا عنقه، فوالله لقد كنتُ أطلبه وأسائل عنه، والله يعلم لو ظفرتُ به قبل أن يأتى إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لقتلته، ثم طلع على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وأنا عنده جالس، فجعل يتعذر إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: سُبَّ يا محمد مَن سبَّك وآذِ مَن آذاك فقد كنتُ مُوضِعًا في سَبِّكَ وأذاك وكنت مخذولًا، وقد بَصَّرَنى الله وهَدَانى للإسلام. قال الزبير: فجعلت أنظر إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وإنه ليطأطئ رأسه استحياءً منه مما يتعذر هبار، وجعل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - يقول: قد عفوتُ عنك، والإسلام يَجُبُّ ما كان قبله. وكان لَسِنًا فكان يُسَبُّ بعد ذلك حتى يبلغ منه فلا ينتصف من أحد، فبلغ ذلك رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، حلمه وما يحمل عليه من الأذى فقال: يا هَبّار سُب مَن سَبَّك (¬٢).
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني هِشام بن عُمارة عن سَعِيد بن
---------------
(¬١) الواقدي: المغازي ص ٨٥٧.
(¬٢) الخبر لدى الواقدي في المغازي ص ٨٥٨، ٨٥٩.