إليهما فأخبرتهما، فانصرفا إلى منازلهما. فقيل لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة جالسان في ناديهما متفضّلان (¬١) في المُلَاءِ المُزَعْفَر (¬٢)، فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: لا سبيل إليهما قد أَمِّنَّاهُمَا (¬٣)! .
قال الحارث بن هشام: وجعلت أستحى أن يرانى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وأذكر رؤيته إياى في كل موطن مُوضِعًا مع المشركين، ثم أذكر بره ورحمته وصلته، فألقاه وهو داخل المسجد، فتلقانى بالبِشْر ووقف حتى جئته، فسلّمت عليه وشهدت شهادة الحق، فقال: الحمدُ لله الذي هَدَاك، ما كان مِثْلُك يجهلُ الإسلام! قال الحارث بن هشام: فوالله ما رأيت مثل الإسلام جُهِلَ.
قال محمد بن عمر: وشهد الحارث بن هشام مع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، حُنينًا، وأعطاه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، من غنائم حُنين مائة من الإبل (¬٤).
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرني الضحاك بن عثمان قال: أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير قال: سمعتُ عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث أبى عن أبيه قال: رأيت رسول الله في حجته وهو واقف على راحلته وهو يقول: والله إنك لخير أرض الله إليّ، ولولا أنى أخرجتُ منك ما خرجتُ. قال: فقلتُ ولم أنثن: يا ليتنا لم نفعل، فارجع إليها فإنها منبتك ومولدك. فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: إنى سألت ربى فقلت: اللهم إنك أخرجتنى من أحب أرضك إليّ فأنزلنى أحب أرضك إليك، فأنزلنى المدينة.
قال محمد بن عمر: قال أصحابنا: ولم يزل الحارث بن هشام مقيمًا بمكة بعد أن أسلم حتى توفى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وهو غير مَغْمُوصٍ عليه في إسلامه، فلما جاء كتاب أبى بكر الصديق يستنفر المسلمين إلى غزوة الروم، قدم الحارث بن هشام وعِكْرِمة بن أبي جهل وسُهَيْل بن عَمْرو على أبى بكر الصديق المدينة، فأتاهم في منازلهم، فرحب بهم وسلم عليهم وسُرّ بمكانهم، ثم خرجوا مع المسلمين
---------------
(¬١) التفضل: التوشح وأن يخالف اللابس بين أطراف ثوبه على عاتقه.
(¬٢) المُلاء: جمع ملاءة وهي الريطة، أي الثوب اللين.
(¬٣) أورده الواقدي في المغازي ص ٨٢٩ - ٨٣١ وما بين حاصرتين منه.
(¬٤) مغازى الواقدي ص ٩٤٦