كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 9)

حتّى مات ووَلى عمر فقال: احفظ فيّ وصيّةَ رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فقال: اخْتَرْ إنْ شئت أنْ أجرى عليك ما أجرى أبو بكر وإن شئت أكْتُبُ لك إلى الأمصار، قال: اكْتُبْ لى إلى مصر فإنّها أرض ريف، فكتب له عمر إلى عمرو بن العاص: أمّا بعد فإنّ سندر قد تَوَجّهَ إليك فاحْفَظْ فيه وَصيّةَ رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فقَطَعَ له عمرو بأرض مصر معاشًا، فعاش فيها ما عاش، فلمّا مات قُبضت في مال الله، ثمّ أقْطَعَها الأصبغ بن عبد العزيز فما كان لهم في الأرض مالٌ خيرٌ منها (¬١).
قال محمّد بن عمر: ومُنْية الأصبغ اليومَ معروفةٌ بمصر، والمُنا مثل البساتين ها هنا.
أخبرنا كامل بن طلحة قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: أخبرنا عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدّه قال: كان لزِنْباع الجُذاميّ غلامٌ يقال له سندر، فوَجَدَه يُقبّل جارية له فجَبّه وجَدَع أنفَه فأتى سندر النّبيّ، -صلى الله عليه وسلم-، فأرسل النّبيّ، -صلى الله عليه وسلم-، إلى زِنْباع فقال: لا تُحمّلوهم ما لا يُطيقون وأطْعموهم ممّا تأكلون واكسوهم ممّا تلبسون، فإن رضيتم فأمْسكوا، وإن كرهْتم فبيعوا، ولا تُعَذّبوا خَلْقَ الله، ومن مُثّل به أو حُرق بالنّار فهو حرّ وهو مولى الله ومولى رسوله، فأعتق سندر فقال: أوْصِ بى يا رسول الله، قال: أُوصى بك كلّ مُسلم، فلمّا توفّى رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، أتى أبا بكر فقال: احْفَظْ فيّ وَصِيّةَ رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فأجْرى عليه أبو بكر حتّى توفّى، ثمّ أتى عمر بن الخطّاب فقال: احفَظْ فيّ وصيّة رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فقال: نعم، إنْ أحْبَبْتَ أن تقيم عندى أجْرَيْتُ عليك ما كان يجرى عليك أبو بكر وإلا فانظر مكانًا تُحِبّه أكْتُبْ لك كتابًا، فقال سندر: مصر فإنّها أرض ريف، فكتب له عمر إلى عمرو بن العاص أن احْفَظْ فيه وصيّة رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا قدم على عمرو بن العاص قطع له أرضًا واسعة ودارًا وجعل يعيش فيها سندر في مال الله، فلمّا مات قُبضت (¬٢).
قال عمرو بن شعيب: ثمّ قطع بها للأصبغ بن عبد العزيز بعدُ، قال عمرو: فهى من أفضل مال لهم اليوم.
---------------
(¬١) أورده ابن الأثير في أسد الغابة.
(¬٢) أورده ابن عبد الحكم في فتوح مصر ١٦٣ - ١٦٤

الصفحة 511