كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 1)

رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَمَا أَتَقَدَّمُ وَلَا أَتَأَخَّرُ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إِلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إِلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى أَهْلِي، حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إِلَيْهَا [1] فَقَالَتْ: يا أبا القاسم اين كنت؟ فو الله لَقَدْ بَعَثْتُ رُسُلِي فِي طَلَبِكَ حَتَّى بَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا، ثُمَّ حَدَّثْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ، فقالت:
أبشر يا بن عمّي [2] واثبت فو الّذي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ [3] . ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَى وَسَمِعَ، فَقَالَ وَرَقَةُ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِ يَا خَدِيجَةُ، لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ، فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ، فَلَمَّا قَضَى جِوَارَهُ طَافَ بِالْكَعْبَةِ، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ وَهُوَ يَطُوفُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَلَتُكَذَّبَنَّهُ وَلَتُؤْذَنَّهُ وَلَتُخْرَجَنَّهُ وَلَتُقَاتَلَنَّهُ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ فَقَبَّلَ يافوخه [4] .
__________
[1] أضفت إلى الرجل: إذا ملئت نحوه ولصقت به.
[2] في بعض المراجع «يا بن عم» وكلاهما صواب.
[3] سيرة ابن هشام 1/ 269، نهاية الأرب 16/ 170، 171، عيون الأثر 1/ 86.
[4] سيرة ابن هشام 1/ 270، الروض الأنف 1/ 274، نهاية الأرب 16/ 171، 172، عيون الأثر 1/ 86، 87، السير والمغازي 122.

الصفحة 132