كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 1)

قَالُوا: مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا.
قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنَّ هَذَا لَلُؤْمٌ بِنَا، يَتَخَلَّفُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ قَامَ وَاحْتَضَنَهُ، وَأَقْبَلَ بِهِ [1] فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَا جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ، قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا شَبِعُوا وَتَفَرَّقُوا قَامَ بَحِيرَا فَقَالَ:
يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنيِ عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ [2] ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: لَا تسألني باللّات والعزّى [3] ، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ.
فَقَالَ لَهُ: فباللَّه إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ [4] ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ [5] ، فَتَوَافَقَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الصِّفَةِ.
ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ أثر خاتم النّبوّة [6] ، فأقبل على أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا هُوَ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي.
قَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا.
قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي [7] .
قَالَ: ارْجِعْ به واحذر عليه اليهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُهُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ شَأْنٌ، فَخَرَجَ به أبو طالب سريعا حتى
__________
[1] في السير والمغازي 75 «ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم»
[2] قال ابن إسحاق في السير والمغازي 75 «وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما» .
[3] في السير زيادة «شيئا» .
[4] في السير: «قال سلني عمّا بدا لك» .
[5] في السير زيادة «من نومه، وهيئته، وأموره، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته» .
[6] في السير 75 «ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده» .
[7] قال ابن إسحاق في السير: «قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمّه حبلى به، قال: صدقت» .

الصفحة 59