كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 2)

يُرِدْهُ. فَقَالَ لَهُ رَاهِبٌ: أَنْتَ تُرِيدُ دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ، وَهَذَا وَرَاءَكَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَلَقِي زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ [1] ، فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ. فَكَانَ أَبُو قَيْسٍ بَعْدُ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا أَنَا وَزَيْدٌ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ أَسْلَمَتِ الْخَزْرَجُ وَالْأَوْسُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَوْسِ اللَّهِ فَإِنَّهَا وَقَفَتْ مَعَ ابْنِ الْأَسْلَتِ، وَكَانَ فَارِسُهَا وَخَطِيبُهَا، وَشَهِدَ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا قَيْسٍ، هَذَا صَاحِبُكَ الَّذِي كُنْتَ تَصِفُ.
قَالَ: رَجُلٌ قَدْ بُعِثَ بِالْحَقِّ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، أَنْظُرُ فِي أَمْرِي. وَكَادَ أَنْ يُسْلِمَ.
فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِهِ فَقَالَ: كَرِهْتَ وَاللَّهِ حَرْبَ الْخَزْرَجِ.
فَغَضِبَ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُسْلِمُ سَنَةً. فَمَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ.
فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَقَدْ سُمِعَ يُوَحِّدُ عند الموت [2] .
__________
[1] زيد بن عمرو بن نفيل: ابن عمّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: أحد المتفرّقين في طلب الأديان كما يقول ابن هشام. وكان يقول: أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطّلب، ولا أراني أدركه، وأنا أو من به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ وكان يستقبل الكعبة في المسجد ويقول: لبّيك حقّا حقا، تعبّدا ورقّا. وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ يُبْعَثُ أمّة وحده، وأنه رآه في الجنّة يسحب ذيولا. وخرّج البخاري في كتاب الفضائل من صحيحه حديثا مطوّلا عنه، وفيه عن ابن عمر أنّ زيدا خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتَّبِعُهُ، فدلّ على الحنيفيّة دين إبراهيم، وأنه لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إلّا الله، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللَّهمّ إنّي أشهد أنّي على دين إبراهيم.
ترجمته في ابن هشام (1/ 222) والطبقات الكبرى (1/ 161 و 4/ 384) والمحبّر 170 و 171 و 175 وتاريخ الطبري (2/ 295) وانظر صحيح البخاري: كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باب حديث: زيد بن عمرو بن نفيل.
[2] انظر هذه القصة في ترجمة محصن بن أبي قيس بن الأسلت في الطبقات الكبرى (4/ 385) .

الصفحة 43